في قلب الصين القديم، حيث تلامس الجبال المغطاة بالضباب السماء وتتدفق الأنهار كعروق عبر أرض أبدية، وُجدت أسطورة تُهمَس بها عبر العصور: حكاية التنين الأزرق. كان مخلوقًا غامضًا ذو جمالٍ وقوةٍ لا مثيل لهما، يُقال إنه يحرس التوازن بين السماء والأرض ويقي البشر من قوى الظلام الخفية.
نبوءة التنين الأزرق
قبل قرون، في عهد سلالة شيا، عاش راهب مسن يُدعى الراهب تشي في معبد يونلونغ المقدس. كان المعبد قائمًا على قمة جبلٍ شديد الانحدار محاطٍ ببحرٍ من السحب، وكان يُقال إنه بُني على موضع استراحة تنين. قضى الراهب تشي حياته يتأمل في أسرار الكون، وفي يومٍ اتاه رؤيا.
في رؤياه ارتفع تنين أزرق متوهج وعظيم من مياه سماوية. حلق نحو السماوات وهو يقاتل أفعىً ظلية كانت تسعى لأن تغمر العالم بالفوضى. انتهت الرؤيا بتراجع التنين إلى ميدالية يشميّة لامعة، نامت روحه بداخلها منتظرةً نفسًا مقدّرةً توقظها.
دوّن الراهب تشي النبوءة على لفائفٍ ذهبية وختمها في خزينة المعبد. وحذّر تلاميذه أنه حين تبكي السماء دموعًا من الياقوت وتتحول الأنهار إلى فضة، سيقوم المختار ليجد الميدالية ويستدعي التنين الأزرق.
قرية تيانشيا
بعد أجيال، في قرية تيانشيا الهادئة الواقعة عند سفح جبل يونلونغ، عاش فلاحٌ متواضع يُدعى ليانغ. كان ليانغ شابًا في العشرين من عمره، معروفًا بقلبه الطيب وفضوله اللامحدود تجاه العالم. كان والداه مزارعي أرز، وكانا غالبًا ما يسخران من حبه للقصص القديمة ويحثانه على الانشغال بالحرث والزرع.
في مساءٍ قدر، بينما كان ليانغ يساعد والده في غرس الشتلات، أظلمت السماء فجأة. اندلعت عاصفة شديدة، وكان المطر يتلألأ بلونٍ أزرقٍ غريب وهو يتساقط. هرع القرويون إلى داخل بيوتهم، مرعوبين من هذه الظاهرة غير الطبيعية. أما ليانغ فوقف منبهرًا بالمطر، شاعِرًا بدفءٍ غريب في صدره مع خُطوش القطرات على بشرته.
في صباح اليوم التالي لمع النهر الذي يمر عبر تيانشيا كسائلٍ فضي. تمتم الشيوخ بخفوت، مستذكرين النبوءة القديمة. استدعت جدته — التي كانت كثيرًا ما تروي له حكايات التنين الأزرق — جانبه، وهمست بصوتٍ مرتجف: "ليانغ، يجب أن تتسلق جبل يونلونغ. العلامات واضحة. روح التنين الأزرق تناديك."
الرحلة إلى المعبد
مصممًا لكنه متوتر، انطلق ليانغ عند الفجر حاملًا عصا خيزران وكيسًا من فطائر الأرز وبركة جدته. كانت الرحلة مرهقة. أثناء صعوده الدروب الوعرة لجبل يونلونغ بدا الغاب الكثيف وكأنه حيّ، وأشجارها العتيقة تهمس بأسرارها مع هبوب الريح.
في منتصف الطريق صادف ليانغ منظرًا غريبًا: ثعلب أبيض متوهّج ذا ثلاثة ذيول. وقف في طريقه، وعيناه تخترقان روحه.
"من يجرؤ على تسلق جبل يونلونغ؟" قال الثعلب بصوتٍ ناعمٍ لكنه آمِر.
"أنا ليانغ، فلاح متواضع"، أجاب منحنياً باحترام، "أبحث عن الميدالية اليشمية للتنين الأزرق."
راقبه الثعلب لبرهة ثم أومأ. "قلبك نقي، لكن احذر—المسار أمامك ملئ بالاختبارات. الشجاعة وحدها لا تكفي."
وبهذا اختفى الثعلب في الضباب. استأنف ليانغ صعوده، وكانت المواجهة محفورةً في ذاكرته.
اختبارات التنين الأزرق
عند بلوغه القمة وقف ليانغ أمام بوابات معبد يونلونغ الشاهقة. ورغم قدمها كانت البوابات تشع هالةً من القوة، ونقوش التنانين تزيّن سطحها. لما دخل ازداد ثقل الهواء بطاقةٍ قديمة.
كانت تنتظره ثلاث اختبارات، كما ورد في لفائف الراهب تشي. الأول كان اختبار الحكمة. وجد ليانغ نفسه داخل متاهةٍ مليئة بالمرايا، تعكس كل واحدة نسخةً مختلفةً عنه. للخروج كان عليه اختيار المرآة التي تُظهر ذاته الحقيقية. متذكّرًا كلمات الثعلب، اختار المرآة التي عكست صورته كما هو — بسيطًا، متواضعًا، وصادق النية. تلاشت المتاهة، فاتجه للاختبار التالي.
الثاني كان اختبار القوة. واجه ليانغ حارسًا حجريًا يفوقه ضعفًا في الحجم. مسلحًا بعصا الخيزران وحدها، استخدم رشاقته ودهاءه ليتفوق على الحارس، ضاربًا نقاط ضعفه حتى تفتت إلى غبار.
أما الاختبار الأخير، اختبار القلب، فكان الأصعب. رأى ليانغ رؤيةً لعائلته في خطر محاطين بشخصيات ظلّية. كان عليه أن يختار بين إنقاذهم أو مواصلة مهمته. بعد صراع مع عواطفه أدرك ليانغ أن الرؤية كانت وهمًا لاختبار عزيمته. قال: "الطريق الحقيقي هو الذي يساعد الجميع، لا أولئك الذين أحبهم فقط." فتلاشَت الظلال.
الصحوة
ما وراء الاختبارات كانت غرفةً عظيمة، جدرانها مزينة بلوحاتٍ جدارية لتنانين تحلّق في السماء. في وسطها استقرت قاعدةٌ، وحلّت فوقها الميدالية اليشمية. لما اقترب ليانغ بدأت الميدالية تتوهج متناغمةً مع دقات قلبه.
في اللحظة التي لمسها فيها اجتاحت طاقة جسده. امتلأت الغرفة بضوءٍ ساطع، وتجسّد التنين الأزرق، وحراشفه الياقوتية تلمع كالنجمات.
"لقد أثبت جدارتك"، دوّى صوت التنين. "معًا سنعيد التوازن."
المعركة ضدّ الظلام
الأفعى الظلية من رؤية الراهب تشي قد ناهضت، ناشرةً الفوضى عبر البلاد. ذبلت المحاصيل، وجفت الأنهار، وتحولت السماء إلى رماد. ومع وجود التنين الأزرق إلى جانبه، نزل ليانغ من جبل يونلونغ لملاقاة الأفعى.
كانت المعركة ملحمية. كانت الأفعى، تجسيدًا للجشع والكراهية، تعلو فوق القرى، وحراشفها السوداء تمتص النور. أطلق التنين الأزرق، مستمدًا قوته من شجاعة ليانغ، سواقي من ماء سماوي وصواعقٍ عمياء. تصادمت القوتان، فهزّتا الأرض وشقّتا السماوات.
مسلحًا بالميدالية، وجه ليانغ طاقة التنين. صاح: "نحن لا نقاتل من أجل الدمار، بل من أجل الشفاء." ومع تلك الكلمات بدأ شكل الأفعى المظلم يتبدد، وتحول إلى تياراتٍ من نورٍ ذهبي أعادت الحياة إلى الأرض.
عصر جديد
انتهت المعركة وعاد الانسجام. عاد التنين الأزرق إلى الميدالية بعدما أنجز واجبه، وصار ليانغ يلبسها حول عنقه. هتف له القرويون كبطل، لكن ليانغ بقي متواضعًا مواصلاً حياته فلاحًا وهو يحرس الميدالية.
ومع مرور السنين انتشرت حكايات التنين الأزرق ومن اختاره في الآفاق البعيدة. صارت الميدالية رمزًا للأمل، وتذكيرًا بأن الشجاعة وطهارة القلب قادرتان على هزيمة أحلك القوى.
وهكذا استمرت الأسطورة، ملهمةً الأجيال بالإيمان بقوة التوازن والشجاعة والرحمة.
