كان يا مكان، في الصين القديمة، كان هناك إمبراطور يحب الزهور أكثر من أي شيء في العالم. كان قصره محاطًا بحدائقٍ رائعةٍ مليئةٍ بأندر وأجمل النباتات. ومع تقدمه في العمر، بدأ الإمبراطور يفكر بمن سيخلفه. وعلى خلاف الحكام الآخرين، لم يكن له أبناء، فقرر أن يختار من بين أطفال المملكة.
في يومٍ ربيعيٍ دعا جميع شباب المملكة إلى القصر. وأعلن: «لقد حان الوقت لأختار الإمبراطور القادم. لدي هنا مجموعة من بذور الزهور. سأعطي كل واحدٍ منكم بذرة. من يستطيع أن يُريني أفضل ما لديه بعد عام سيخلفني كإمبراطور!»
عمّ الحماس في الحشد بينما كانت البذور تُوزع. من بين الذين استلموا بذرة كان هناك صبي صغير اسمه بينغ، معروف في قريته بمهارته في العناية بالنباتات. بحماسٍ بالغ زرع بينغ بذَرتَه في وعاءٍ مملوءٍ بالتربة الخصبة. كان يسقيها كل يوم ويتأكد من تعرضها لقدرٍ كافٍ من أشعة الشمس.
مضت أسابيع، لكن لم ينبُت من وعاء بينغ أي شيء. لم يطلّ أي ساقٍ من التربة المظلمة. في أرجاء القرية، كان بينغ يسمع قصصًا عن أوعية الآخرين المليئة بالزهور النابضة بالحياة. محرجًا، جرّب تغيير التربة وضبط كمية الضوء والماء، لكن دون جدوى. مرّ عام وما زال وعاء بينغ يحوي تربةً فحسب.
وأخيرًا جاء اليوم الذي تُعرض فيه الأواني على الإمبراطور. ومع وعائه الفارغ في يده، كان بينغ متوترًا. من حوله كان الأطفال يهمسون ويضحكون، مستعرضين أوعيتهم الممتلئة بزهورٍ رائعةٍ بألوانٍ متنوعة. غمرت الدموع عينَي بينغ. فرأى والده حزنه وقال له بلطف: «لقد بذلتَ ما في وسعك، وهذا كافٍ لتقدمه إلى الإمبراطور.»
بقلبٍ مثقلٍ دخل بينغ القصر. وعندما حان دوره انحنى وقدّم وعاءه الفارغ. ارتفعت حاجبا الإمبراطور تعجبًا وسأل: «لماذا وعاؤك فارغ؟»
ابتلع بينغ ريقه وأجاب: «زرعتُ البذرة التي أعطيتني إياها واعتنيتُ بها كل يوم، لكنها لم تنبت.»
أومأ الإمبراطور ثم خاطب الجمع: «لقد اتخذت قراري. الإمبراطور الجديد هو بينغ!»
سادت حالة من الدهشة بين الحضور. اندهش بينغ وتلعثم قائلاً: «لكن... وعائي فارغ!»
ابتسم الإمبراطور وقال: «لقد أعطيتُ الجميع بذورًا مسلوقة لا يمكنها أن تنبت. جميعكم، باستثناء بينغ، جلبوا لي أوعية مليئة بالزهور. لو زرعتم البذور التي أعطيتكم إياها لما كانت لتنمو. كان بينغ الوحيد الصادق بما يكفي ليقدم لي وعاءً فارغًا.»
عمّت التصفيقات في القصر مع استيعاب الناس للحقيقة. وتابع الإمبراطور: «القائد العظيم يجب أن يتحلّى بالشجاعة والنزاهة والصدق. لقد أظهر بينغ هذه الصفات بصدقه، رغم إغراء التظاهر بعكس ذلك.»
أصبح بينغ إمبراطورًا وحكم بحكمة. في عهده ازدهرت المملكة. ظلّ يحتفظ دائمًا بالوعاء الفارغ على مكتبه كتذكيرٍ له ولمستشاريه بأن الصدق والنزاهة يجب أن يكونا في صميم كل أفعالهم.
