في قلب ترانسيلفانيا، محاطًا بتلال متدحرجة وغابات كثيفة، يوجد مكان يبدو فيه الزمن وكأنه متوقف — مكان تتشابك فيه الأسطورة مع الواقع. هذا المكان هو بحيرة الدب (لاكول أورسو)، البحيرة المعجزة الهليوثيرمية في سوفاتا. مياها الغنية بالمعادن طالما اشتهرت لقرون، ليس فقط لفوائدها العلاجية بل أيضًا للغموض الذي يكتنفها.
لكن بحيرة الدب أكثر من عجيبة طبيعية فحسب. إنها مكان مشبع بالحزن والسحر، حيث تتردد همسات الماضي بين أغصان الأشجار الهامسة، وحيث ترك الحب والخيانة والقدر أثراً أبدياً.
هذه قصة بحيرة الشفاء في سوفاتا، حكاية نُقلت عبر الأجيال — حكاية عن حب ضائع وبحيرة وُلدت من انكسار قلب.
أسطورة إيلونا وإستفان
قبل أن توجد البحيرة بوقت طويل، كانت سوفاتا قرية هادئة، يعيش أهلها حياة بسيطة بين أحضان الطبيعة. كانت الغابات المحيطة بالقرية عامرة بأشجارٍ عتيقة، وكان جدول صغير ينساب عبر الأرض، مياهه صافية كالبلّور، يقال إن الآلهة لمستها.
من بين أهل القرية كانت إيلونا، ابنة معالج القرية. ورثت حكمة أمها — كانت تعرف استخدام كل عشبة وكل جذر وكل زهرة. لكن كان في شأنها شيء آخر، أكثر مما تبرع به العلم؛ كان ليديها دفء يخفف آلام المرضى، وكانت مجرد وجودها يخفف العناء.
أحبها أهل القرية، لكنها كثيرًا ما كانت تجد عزاءها في الوحدة. كانت تقضي أيامها عند الجدول الصغير، تجمع الأعشاب أو تجلس في العشب الناعم، غارقة في التفكير. هنا دخلت حياتها صدفةً إستفان، جندي جريح.
لقد تُرك إستفان ليموت بعد إحدى المعارك. ملطخًا بالدماء وضعيفًا، جرّ نفسه إلى الجدول، آملاً أن يرتوي قبل أن يأسف القدر عليه. إيلونا هي من وجدته هناك، وجهه شاحب وجسده يهتز من الحمى.
بدون تردد أخذته إلى كوخها، واعتنت بجراحه بأيدٍ حانية. لبضعة أسابيع بقي تحت رعايتها، يزداد قوةً يومًا بعد يوم، ومع مرور الوقت نشأ بينهما رابط عميق. كانا يجلسان معًا مساءً، يتحدثان بصوت منخفض تحت النجوم. كان إستفان يروي لها عن الأماكن التي زارها خارج سوفاتا، عن قصور النبلاء، وعن اتساع العالم وراء الغابات. أما إيلونا فكانت تحدثه عن قوة الطبيعة، وتوازن الحياة والموت، وعن السكينة التي تجدها في الأمور البسيطة.
كان لا محالة — وقعا في الحب.
لكن القدر كان له خطط أخرى.
لم يكن إستفان جنديًا عاديًا. كان ابن نبيلٍ، ومخطوبًا لامرأةٍ ذات نسبٍ رفيع. عائلته رتبت له الزواج مسبقًا، اتحادٌ يضمن مكانتهم بين الأرستقراطيين. وعندما وصل خبر نجاته إلى عائلته استدعوه فورًا.
وعد إيلونا بأنه سيعود. أقسم أن لا شيء — لا المال ولا الواجب — سيُفرِق بينهما. صدقته.
لكن الأيام تحولت إلى أسابيع، والأسابيع إلى شهور، ولم يعد إستفان أبدًا.
بحثت إيلونا عنه، خرجت إلى ما وراء القرية باحثة عن أي خبر عن مصيره. سمعت همسات تقول إنه أُجبر على الزواج، وأنه لم يملك الجرأة لمواجهة عائلته. حطّمها الخبر.
مكسورة القلب، عادت إلى الجدول حيث التقيا للمرة الأولى. جلست هناك لساعات، تسقط الدموع في الماء، وتضيع أناتها في خشخشة الأشجار. توسلت إلى الآلهة أن ترفع عنها ألمها، وأن تجعلها تنساه.
في تلك الليلة ارتجت الأرض. شقٌ عظيم انفتح في الأرض، ابتلع الجدول والمرج وكل ما حوله. اندفقت مياه من أعماق الأرض وملأت المكان الذي بكت فيه إيلونا.
وبحلول الصباح، تكونت بحيرة.
استفاق القرويون فوجدوا المشهد الذي عرفوه قد تغيّر إلى الأبد. حيث كان هناك عشب ناعم وأشجار، كان الآن جسم مائي واسع يلمع. لكنها لم تكن بحيرة عادية؛ كان ماءها دافئًا، خلافًا لأي بحيرةٍ أخرى، ومن اغتسل فيها وجد ألمه يخف وعلّته تندمل.
سمّوها بحيرة الدب، نسبة إلى شكلها الذي بدا كجلد دبّ ممدود على الأرض.
يقول البعض إن البحيرة كانت حزن إيلونا متجسّدًا، ويعتقد آخرون أنها كانت هدية من الآلهة لها، شاهدةً على حبٍ ضائع وقوة الشفاء. لكن شيءً واحدًا كان واضحًا — كانت البحيرة مختلفة عن أي بحيرة أخرى.
وأمّا إيلونا؟ فلم تُرَ بعد ذلك أبدًا.
مياه الشفاء
على مر الأجيال، تعجب أهل سوفاتا من خواص البحيرة. لم تكن دافئة فحسب، بل إنّها امتلكت ظاهرة هليوثيرمية فريدة — فكلما غاص المرء أعمق ازداد الماء حرارة. بخلاف البحيرات العادية حيث يبرد الماء كلما نزلت، كانت بحيرة الدب تحبس حرارة الشمس، مُشكّلةً طبقاتٍ مميزة لدرجات الحرارة.
حاول المعالجون والعلماء فهم طبيعتها، لكن القرويين آمنوا بأنها روح إيلونا، تدفئ الداخلين إليها وتُسكن آلامهم كما كانت تفعل في حياتها.
انتشر الخبر خارج حدود سوفاتا. وصل المسافرون أملاً في الشفاء من علل جسدية وروحية على حد سواء. روِي أن مَن دخل البحيرة بقلبٍ نقي شعر بدفئها يحتضنه، أما مَن حمل في قلبه الخداع أو الطمع أو الكراهية فشعر بشيءٍ آخر — انزعاجًا، وقوةً خفيةً ترفضه.
من بين هؤلاء الزوار كان الكونت فيرينتس، نبيل مهووس بالخلود. سمع شائعات عن خصائص البحيرة العلاجية وسعى لتعبئة مياهها وبيعها لأعلى مزايد. لم يكن يريد الشفاء — بل الثروة فقط.
لكن اللحظة التي خطا فيها إلى الماء حدث أمر غريب.
الماء، الذي كان هادئًا عادةً، بدأ يضطرب. هبت ريح مفاجئة عبر الأشجار. شاهد القرويون برعب الكونت وهو يكافح، كما لو أن أياديً خفية تجذبه للغمر. صرخ، لكن لم يستطع أحد أن ينقذه.
ثم — صمت.
لم يُعثر على جثته أبدًا.
ومن ذلك اليوم عرف القرويون أن البحيرة لا تُستغل. كانت مكانًا للشفاء، للحب، للحزن. مكانًا يستحق الاحترام.
البحيرة اليوم
حتى اليوم، تظل بحيرة الدب لغزًا. درسها العلماء وأكد الأطباء فوائدها العلاجية، لكن أسرارها الأعمق ما تزال بلا إجابة.
يزور آلاف الناس سوفاتا سنويًا، باحثين عن تخفيف الآلام أو مجرد تجربة سحرها. نما البلدة، وأحاطت الفنادق والمنتجعات بالبحيرة، لكن جوهرها بقي كما هو.
ولا يزال، في بعض الصباحات الضبابية، يزعم البعض أنهم يرونها.
امرأة ترتدي ثوبًا أبيض، واقفة على حافة الماء.
يعتقد بعضهم أنها إيلونا، لا زالت تنتظر. ويقول آخرون إنها حامية البحيرة، تضمن ألا تُساء استخدام قواها.
مهما كانت الحقيقة، فإن بحيرة الدب أكثر من مجرد ظاهرة جيولوجية؛ إنها مكان يبقى فيه الماضي حيًا، حيث تتنفس الأساطير، وحيث الحب — رغم ضياعه — لا يزال يتردد صداه في المياه.
الخاتمة: مكان يتجاوز الزمن
عند غروب الشمس فوق بحيرة الدب يكتسي سطحها لونًا ذهبيًا، كما لو قبّلته السماء. يأتي الناس ويذهبون، يبتغون الشفاء ويسعون وراء السكينة. يغادر بعضهم وقد خفّ حمل قلبه، بينما يغادر آخرون بأسئلة قد تبقى دون جواب.
ففي سوفاتا، في عمق غابات ترانسيلفانيا، تكمن بحيرة وُلدت من الحزن والحب — مكان يلتقي فيه الماضي بالحاضر، وحيث، إن استمع المرء بعناية، قد يسمع همسة رقيقة لاسمٍ تُحمله المياه عبر سطحها.
