جبل ليدانغ، المعروف أيضًا باسم جبل أوفير، يقف شامخًا في جوهور بماليزيا، يكتنفه الغموض ومفعم بالحكايات الشعبية. على مدار قرون تناقلت الأجيال قصصًا تحكي عن جمال الجبل الغامض وقواه السحرية. وتتصدر من بين هذه الحكايات قصة بوتيري جبل ليدانغ، أميرة فاتنة ذات قصة استثنائية عن الحب والطموح ومواجهة مطالب تبدو مستحيلة. لا تزال هذه الأسطورة تأسر قلوب وعقول من يسمعونها، لتصبح جزءًا عزيزًا من التراث الثقافي الغني لماليزيا.
بداية السعي
منذ زمن بعيد، في عهد السلطان محمود شاه حاكم ملقا، كانت السلطنة تزدهر وتتمتع بالثراء والمجد. كان السلطان رجلاً فخورًا وطموحًا، لا يكف عن السعي لتوسيع مملكته وزيادة أمجادها. ومع كل إنجازاته، كان هناك أمر واحد يفوته — عروس بجمال لا يُضاهى يليق بعظمة حكمه. ترددت في بلاطه حكايات عن امرأةٍ من هذا النوع: الأسطورية بوتيري جبل ليدانغ، الأميرة التي قيل إنها تسكن الجبل المقدس الذي يحمل اسمها. وكان يُهمس بأن جمالها يفوق الوصف، لكن لم يعد أحدٌ ممن صعد الجبل لطلب يدها.
أصرّ السلطان على أن يجعلها ملكته، فجمع مستشاريه وأعلن خطته قائلًا: «سأصعد الجبل وأطلب يد الأميرة بنفسي. هي المرأة الوحيدة التي تستحق أن تكون ملكتي، ولن يوقفني أي تحدٍ.»
لكن وزراءه كانوا متوجسين. لم يكن جبل ليدانغ جبلًا عاديًا؛ بل كان موطنًا للسحر والغموض. توسّلوا إلى السلطان أن يرسل وفدًا بدلًا من ذهابه بنفسه. وبعد ترددٍ كثير، وافق السلطان وعيّن محاربه المخلص هانغ تواه لقيادة البعثة إلى القمة الغامضة.
الرحلة إلى جبل ليدانغ
انطلق هانغ تواه ووفده في رحلتهم الشاقة نحو قمة جبل ليدانغ. كان الجبل حاد الانحدار، ومسالكه غادرة، والهواء مثقلاً بروائح المجهول. كلما ارتقوا، بدت الغابة الكثيفة تضيق عليهم، كأنها تحرس الأسرار الكامنة فيها. همس بعض الرجال برؤيتهم ظلالًا غريبة تتلوّى بين الأشجار، بينما زعم آخرون أنهم سمعوا أصواتًا خافتة تحملها الريح بلغةٍ لا يعقلونها.
وكلما توغلوا أكثر ازداد وضوحًا أن هذا ليس جبلًا عاديًا. واجهوا أمورًا عجيبة — نباتات تتحرّك وكأن لها حياة، وجدائل ماء تختفي فور اقترابهم منها. ومع ذلك، ظل هانغ تواه راسخًا. كان يعرف واجبه، وولاؤه للسلطان ألزمه بالمضي قدمًا مهما كانت المخاطر.
بعد أيام من السفر المضنّي، وصلوا إلى كهفٍ قرب قمة الجبل. قيل إن هذا الكهف هو مسكن بوتيري جبل ليدانغ المراوِغة. خيم السكون، ولم يكن يُسمع سوى دقات قلوب الرجال المنتظمة. تقدم هانغ تواه ونادى الأميرة بنبرة مهيبة وموقرة.
«يا بوتيري جبل ليدانغ، آتي باسم السلطان محمود شاه، حاكم ملقا. يطلب يدك للزواج ويعرض ثروة مملكته وشرفها مقابل قبولك.»
ساد صمت طويل، من ذلك النوع الذي يبدو وكأنه يمتد إلى الأبد، قبل أن يتردد من داخل الكهف صوتٌ ناعمٌ لكنه قوي.
ظهور الأميرة
من الظلمة ظهرت هيئةٌ ملؤها النعمة والجمال الأثيري، ثوبها المتدفق يلمع كما لو نُسِج من سماء الليل نفسها. كانت عيناها تتلألأ بمعرفةٍ قديمة، وحضورها مهيبٌ لا يُمس. كانت هذه بوتيري جبل ليدانغ، روح الجبل، وعندما نظر الرجال إليها أدركوا لماذا لم يستطع أي إنسانٍ أن يطالب بها.
قالت بصوت يجمع بين العذوبة والسلطة: «لقد سمعت طلب سلطانكم. لكن الطريق إلى قلبي ليس مفروشًا بالورد. إن كان سلطانكم يرغب في الزواج بي، فعليه أولًا أن يحقق سبعة شروط.»
انحنى هانغ تواه بعمق مترقبًا لسماع تلك الشروط.
الشروط السبعة المستحيلة
رفعت بوتيري جبل ليدانغ يدها، ومع كل كلمةٍ منها بدت مطالبها تتردد في الهواء كما لو أنها مكتوبة في نسيم الريح.
«الشرط الأول أن يبني سلطانكم جسراً من الذهب يصل من القصر في ملقا إلى قمة جبل ليدانغ.
الشرط الثاني أن يُشيَّد، إلى جانب الجسر الذهبي، جسرٌ من الفضة، ليصلا كلاهما قصر السلطان بمنزلي هنا.
أما الثالث فأطلب فيه سبع صوانٍ من قلوب البعوض.
الرابع سبع صوانٍ من قلوب القمل.
الخامس أطالب بوعاءٍ مملوء بدموع العذراوات.
السادس أريد وعاءً من دم ابن السلطان.
وأخيرًا، الشرط السابع أن يقدم لي سلطانكم وعاءً من دمه هو نفسه.»
تنفّس الرجال دهشةً مع كل شرط؛ لم تكن مجرد طلبات صعبة، بل كانت مستحيلة. هانغ تواه، وهو يعلم واجبه، أومأ برأسه بوقار ووعد بنقل الرسالة إلى السلطان. ثم اختفت بوتيري جبل ليدانغ مرة أخرى في ظلال الكهف، تاركة الوفد ينزل من الجبل.
ردّ السلطان
عندما عاد هانغ تواه إلى بلاط السلطان ونقل شروط الأميرة، ساد الاضطراب فورًا. انقسم أهل البلاط؛ اعتقد بعضهم أن الأميرة تسخر من السلطان، بينما رأى آخرون أن تلبية المطالب ستكون شهادةً حقيقيةً على حبه وقوته.
إلا أن السلطان ظل مصممًا. رغم سخرية الشروط، طغى رغبته في الأميرة على كل شكوكه. استدعى أفضل المهندسين ليبدؤوا بتصميم الجسرين الذهبي والفضي. تجوّل رجاله في البلاد باحثين عن البعوض والقمل، وشرع آخرون في جمع دموع العذارى. حتى طابع المهمة المستحيل لم يثنه عن عزمه.
تحولت الأيام إلى أسابيع بينما حاول البلاط تلبية مطالب الأميرة. تقلّب السلطان بين القلق والأمل، ومع ذلك كانت فكرة الاتحاد ببوتيري جبل ليدانغ تدفعه قَدمًا. لكن الشرطين السادس والسابع أثارا أعظم اضطراب؛ فكرة أخذ دم ابنه ثم تقديم دمه هو نفسه أثقلت عليه. كان السلطان يحب ابنه حبًا جمًا، وبدأت فكرة سفك دمه من أجل طموحه تُعذّبه.
لحظة تأمل
في ساعة متأخرة من الليل، تجوّل السلطان في أروقة قصره مضطربًا بطبيعة مطالبه المستحيلة. لطالما اعتقد أنه قادر على تحقيق أي شيء بثروته وسلطته، لكن هذه الشروط جعلته يدرك أن لسلطته حدودًا. وبينما كان يحدّق في القمة البعيدة لجبل ليدانغ المضيئة بضوء القمر، تساءل إن كان الثمن المطلوب منه باهظًا للغاية.
هل كان من الممكن أن الأميرة لم تكن تنوي الزواج به أصلًا؟ ربما وُضعت الشروط لاختباره، لتعلّمه أن ليس كل شيء يُنال بالإرادة وحدها. في داخله بدأ السلطان يشكك في جوهر مسعاه.
قرار السلطان
في صباح اليوم التالي استدعى السلطان بلاطه وأعلن قراره: «لقد أدركت»، قال، «أنه بالرغم من أنني حاكم للناس، فهناك أمور تتجاوز سلطتي. لم تضع الأميرة هذه الشروط لتسخر مني، بل لتعلمني درسًا. لن أضحي بابني، ولن أقدّم دمي لتحقيق هذا الحلم المستحيل.»
ساد الصمت حينها في البلاط، وكانت كلماته تحمل ثِقَل الحكمة والقبول. «أتخلى عن مطالبتي ببوتيري جبل ليدانغ. فلتبقَ حيث تنتمي — على الجبل، بعيدة عن طموحات البشر.»
وبهذا أنهى السلطان سعيه وراء الأميرة، مختارًا أن يكرّس حكمه لحكم مملكته بحكمةٍ اكتسبها من تلك التجربة.
إرث بوتيري جبل ليدانغ
تستمر أسطورة بوتيري جبل ليدانغ في العيش، وقصتها تُروى حتى اليوم في أنحاء ماليزيا. ولا يزال الجبل مكانًا يكتنفه الغموض، إذ يروي الزائرون عن أحداثٍ غريبة ويشعرون أن الأميرة ما زالت تراقب مملكتها. ورغم أن السلطان لم يفلح في أن يجعل الأميرة عروسه، فقد علَّم سعيه — والأجيال التي تلت — درسًا ثمينًا عن حدود الطموح وأهمية معرفة المرء لمكانه في العالم.
أما بوتيري جبل ليدانغ، فهي باقيةٌ الحارسة الأبدية لجبلها، رمزًا للجمال والاستقلال وقوة الطبيعة على رغبات البشر.
