لغزٌ عتيق
في قلب المدينة القديمة في براغ، حيث ينساب نهر فلتافا بين الأبراج القوطية والجسور العتيقة، تقف الساعة الفلكية — الأورلوج. منذ بنائها عام 1410، ظلت هذه الأعجوبة الميكانيكية معجزة علمية ونذيرًا لشيء أكثر غموضًا. يندهش السياح من أقراصها الذهبية المتقنة، وموكب الرسل الاثني عشر، والهيكل العظمي المخيف الذي يقرع الجرس كل ساعة.
لكن أهل براغ يعرفون القصص، همسات تنتقل عبر الأجيال. يروون عن صانع الساعات الأعمى، المعلم هانوش، الذي شُلّ على يد أعضاء المجلس البلدي الحاسدون. يهمسون عن الآلية الخفية التي لا يجرؤ أحد على لمسها. وفي الليالي النادرة التي تدق فيها الساعة في ساعةٍ غير معروفة، يغلق المسنون مصاريعهم ويصلون.
كان هوراس بيتريك قد سمع تلك الحكايات، لكنه لم يكن من الذين يصدقون قصص الأشباح أو اللعنات. كان رجلاً علميًا، صانع ساعات ماهرًا، وآخر في سلسلة طويلة من الأمناء المكلفين بصيانة الأورلوج. ومع ذلك، بينما وقف أمام هذه الآلة العتيقة، يمرر أصابعه على برونزتها البالية وحجرها المتآكل، شعر بشيء مزعج—كأن الساعة تراقبه بالمقابل.
هوس صانع الساعات
منذ أن كان هوراس يتذكر، كان الوقت يسحره. لم يتجاوز السادسة من عمره عندما جلبه والده، وهو أيضًا صانع ساعات، ليرى الأورلوج لأول مرة. كان صغيرًا جدًا ليرى عظمتها كاملة، لكن ما بقي في ذاكرته هو الصوت — الرنين العميق المُدوي الذي بدا وكأنه يهز عظامه.
الآن، كبالغ، نال امتياز العمل على الساعة نفسها، مكلفًا بضمان ألا تفقد ثانيةً واحدة. كل ترس، وكل مسنن، وكل قرص سماوي كان تحت عنايته. ومع ذلك بقيت أمور لا يفهمها.
بدأ الأمر بشذوذات صغيرة — تلعثم بالكاد محسوس في حركة عقرب الساعات، همسة احتكاك حيث لا مكان للاحتكاك. ثم بدأ رنين الأجراس الغريب في أوقات غير مجدولة، دائمًا في عمق الليل.
ثم، ظهرت اللوحة.
في إحدى الأمسيات، أثناء تفقده للآلية الرئيسية، لاحظ هوراس شيئًا غير مألوف: درز في بنية الحجر تحت الساعة، يكاد لا يُرى تحت قرون من الأوساخ. لم يتطابق مع بقية البناء. تسرع قلبه. لم يكن هذا مُدرجًا في أي من المخططات.
بأصابعه الحذرة ضغط على اللوحة.
تحرّكت.
وراءها كان ممرٌ مخفي.
الغرفة المنسية
حاملاً فانوسه، خطا هوراس إلى داخل المساحة المظلمة، وكانت أنفاسه ضحلة. تفوح من الغرفة رائحة الغبار والمعدن، وشيء أقدم — شيء جعل الشعيرات الدقيقة على ذراعيه تقشعر.
في وسط الغرفة كان مكتبٌ كبير مزخرف مغطى بأوراق صفراء وأدوات صدئة. كان الهواء ثقيلاً خانقًا، كما لو أن الحجرة نفسها ترفض وجوده.
توقفت عيناه عند كتاب واحد مغلف بجلد متشقّق. نفض الغبار عنه ليكشف العنوان:
«رمز الزمن: سرّ الأورلوج.»
تسارع نبضه.
وبينما يقلب الصفحات، وجد رسومات لتكوين الأورلوج المألوف — لكن مع مخططات لم يرَ مثلها من قبل. تروس لم تكن موجودة. آلية ثانوية مدفونة في الأعماق.
ثم، قرب النهاية، كانت هناك ملاحظة مخطوطة بسرعة باللغة التشيكية القديمة:
«يعتقد مجلس المدينة أنهم أعموني حتى لا أعيد صنع الأورلوج. حمقى. عقابي لم يكن فعل إنسان. الساعة طالبت بتضحية، فأخذت بصرِي ثمنًا. لكن ذلك لم يكن كافيًا. يجب أن يبقى الزمن دائمًا متوازنًا. لحماية براغ، ختمت الشذوذ تحت التروس. لا يجب لأحد أن يُفعِّلها. لا يجب لأحد أن يلمس النواة.»
تنفّس هوراس، وكان بخار أنفاسه مرئيًا في البرد غير الطبيعي الذي حلّ بالمكان.
لقد لمس شيئًا كان ينبغي أن يبقى منسيًا.
استيقاظ اللعنة
نادراً ما تذكر كيف تسلق للخروج من الممر، متعثّرًا وهو يعود إلى ورشته. اهتزّ الكتاب بين يديه. أراد أن يصدّق أنها خرافة — خرافة ملفوفة بلغة صانعي الساعات القدامى.
لكن في صباح اليوم التالي، بدأت براغ تتغيّر.
كانت العلامات الأولى طفيفة. الساعات في أنحاء المدينة بدأت تخرج عن تزامنها، تسرع أو تتباطأ. أجراس الكاتدرائية دقت بنغمات متنافرة، وتسلسلاتها خرجت عن ترتيبها. وغابت الشمس متأخرة بعشر دقائق.
ثم تلتها حالات الاختفاء.
أفاد الشهود أنهم رأوا أناسًا يختفون في خضمّ أحاديثهم، ثم يعاودون الظهور بعد ثوانٍ في مواضع مختلفة، يرمشون من الحيرة. البعض أقسم أنه سمع صوته يتردد قبل أن ينطق. الزمن كان ينهار، والأورلوج في مركز ذلك.
كان على هوراس أن يصلح الأمر.
اتساع الشقّ
بحلول اليوم الثالث أصبحت الشذوذات لا تُنكر. تعطلت الساعة العتيدة نفسها، وكانت أقراصها تدور بجنون وعلى فترات غير منتظمة. السياح الذين وقفوا في الساحة قبل دقائق اختفوا فجأة، ثم ظهروا في ساعات أخرى كما لو أنهم قفزوا إلى الأمام أو إلى الوراء في الزمن. قلب هوراس الكتاب بحثًا عن إجابات. وفي أعماق صفحاته وجد شيئًا غيّر معدته — رسم لآلية مساعدة معنونة «قفل الزمن».
كانت داخل الحجرة الرئيسية للأورلوج. مفتاح خفي. جمع أدواته وصعد البرج.
شبح المعلم هانوش
بدت آليات الأورلوج من حوله كغابة من المعدن والظلال. في أعماقها، مدفونًا خلف تشابك التروس، وجده هوراس — ذراع برونزي باهت بفعل الزمن.
وبمجرد أن مدّ يده نحوها، هبطت درجة الحرارة هبوطًا حادًا. همسة ترددت في أرجاء الحجرة.
«ما كان ينبغي لك أن تأتي.»
استدار هوراس.
خرج من الظلمة رجل مغطى بأردية الصانع الممزقة، وعيونه عبارة عن تجاويفٍ فارغة. كان المعلم هانوش.
«لقد أزعجت الختم»، همس الشبح بصوت أجشّ. «الآن الزمن ينحلّ.»
«أخبرني كيف أصلحه!» توسّل هوراس.
تلاشَت ملامح هانوش، تومض مثل لهب شمعة. «يجب أن تُقدَّم تضحية. يجب تثبيت الزمن، كما كنت أنا مربوطًا.»
انغمس الفهم في صدر هوراس مثل وزنٍ من الرصاص. لم تكن الأورلوج مجرد ساعة أبدًا. كانت سجنًا. وحارسها مرتبطٌ بها.
الرنين الأخير
كانت شوارع براغ أدناه في فوضى. تموجت شقوق الزمن في أرجاء المدينة — الناس يتقافزون بين اللحظات، يظهرون ويختفون. إذا لم يتصرّف هوراس الآن، لانهار الزمن نفسه.
مستجمعًا قواه، أمسك بالذراع. اهتز البرج بأكمله. صرخت التروس وهي تعكس حركتها، سحبت الشقوق لتعود إلى أماكنها. دقت أجراس الأورلوج في انسجامٍ مدوٍّ.
وشعر هوراس بأنه يُسحب إلى داخل الآلة. تلاشى جسده، وامتد وعيه إلى ما لا نهاية، متحدًا مع التروس والبندولات وقلب الزمن النابض.
أصبح الحارس الجديد للأورلوج.
خاتمة: همسة الزمن
مرت سنوات. بقيت براغ بمنأى عن الفوضى التي هددتها ذات مرة. تولى متدرّب جديد مهمة العناية بالأورلوج.
في إحدى الليالي، بينما كان ينفض غبار الأقراص الذهبية للساعة، سمع همسةً تأتي مع الهواء:
«لا تفتح الحجرة.»
واحتدّت دقات الأورلوج من تحت مرةً أخرى.
