???????

الفصل الأول: همسات في الريح

لم تكن مايريد أودونوغ غريبة على هذه الحكايات. نشأت على يد جدتها إيلين بعد وفاة والديها المبكرة، وترعرعت وهي غارقة في القصص القديمة. كانت جدتها راوية القرية — حافظة الأساطير — وكانت كلماتها تحمل وزن الأجيال.

"اسمعيني يا صغيرتي،" كانت إيلين تقول، ويداها المتجعدتان تمسكان بيدَي مايريد الصغيرتين. "لا يجوز العبث بالجنيات. هنّ ليسن مجرد مخلوقات خرافية — هنّ شريان هذه الأرض. أهنتوهن فسيأخذن حقّهن."

كانت مايريد، وهي في التاسعة عشرة من عمرها، تؤمن بتلك القصص نصف إيمان. لكن الأحداث التي تلت العاصفة جعلت شكوكها تترنح: الخراف التي ظهرت عليها علامات احتراق غريبة، والوهج الغامض المنبعث من التلّة في ليالي القمر، والموسيقى المشؤومة التي كانت تنساب مع الريح — كل ذلك أشار إلى أمرٍ من عالم آخر.

في ظهيرة أحد الأيام، بينما كانت مايريد تسير في ساحة القرية، سمعت الحداد بادريك وهو يتحدث مع الخباز. "هناك لعنة علينا، صدقوني،" قال بادريك وهو يمسح السواد عن يديه. "لقد أغضبناهن. الجنيات لن تغفر هذا."

لم تستطع مايريد أن تتخلص من إحساس أن التلّة تناديها. تلك الليلة وقفت عند نافذة غرفتها تحدق في الوهج الخافت فوق التلّة. بدا وكأنه ينبض كقلب، يجذبها نحوه.

الفصل الثاني: استيقاظ التلّة

في مساء اليوم التالي، استسلمت مايريد لذلك الجذب. لفتت حولها عباءة صوفية ثقيلة وتوجهت نحو تلة الجنيات تحت ضوء قمرٍ في ازدياد. كان الهواء ثقيلاً بسكون غريب، كأن العالم يحبس أنفاسه.

كلما اقتربت من التلّة ازداد الوهج، ملقيًا بظلالٍ مخيفة على العشب. ثم سمعت ذلك — لحنًا باهتًا شجيًا، كأن قيثارةً معزوفة على أوتار من فضة. جمدت في مكانها، وقلبها يخفق بعنف في صدرها.

فجأةً انقطع الصوت وبدا الهواء كأنه يتموّج. من ظلال الأشجار برزت شخصية — طويلة ومن عالمٍ آخر، يتلألأ شكلها كسرابٍ في النهار. شعره الذهبي يتدفق على ظهره، وعيونه الزمردية تتوهّج بنورٍ داخلي. كان مرتديًا ثيابًا تبدو منسوجة من ضوء الشمس والضباب.

"لم يكن ينبغي لكِ أن تأتي هنا،" قال الصوت، أملسًا كتيار النهر. "لقد انكسر التوازن المقدس، وها عالمكم يعاني."

اختنق صوت مايريد في حنجرتها، لكنها تمكنت أن تهمس: "من أنت؟"

"أنا فيونبهار، أمير الجنيات،" أجاب. "نوعكم أزعج ما لم يكن يجب لمسه. الشق في التلّة جرح في عالمنا، ويجب أن يُشفى."

"ولكن كيف؟" سألت وهي ترتعش. "ماذا نستطيع أن نفعل؟"

اقترب فيونبهار، ونظرته مخترقة. "يجب أن يُنسج رابط. يجب أن يقوم فاني بأن يكون جسرًا بين عوالمنا. عندئذ فقط يعود التوازن."

الفصل الثالث: كشف النبوءة

عادت مايريد إلى جدتها تلك الليلة، مهتزة لكنها حازمة. روت اللقاء، وشحب وجه إيلين.

"هذا ما كنت أخافه،" قالت إيلين وهي تمسك مسبحتها. "هناك نبوءة قديمة يا طفلتي. تتحدث عن زمنٍ تستدعي فيه الجنيات فانيًا لإعادة التوازن — زمن يترقّق فيه الحجاب بين عوالمنا."

"ماذا عليّ أن أفعل يا جدّة؟" سألت مايريد.

تنهدت إيلين، وصوتها مُثقل بالحزن. "يجب أن تعرضي نفسك كجسر. لكن هذا ليس بالأمر الهين يا مايريد. اختبارات الجنيات ليست لضعيفي القلب. سيختبرون كل جزء منك — رحمتك، حكمتك، شجاعتك."

وقع ثقل كلام جدتها على مايريد كحجر، لكنها علمت أنها لا تستطيع أن تدير ظهرها.

الفصل الرابع: عالم خفي

في المساء التالي، عادت مايريد إلى التلّة. كان فيونبهار في انتظارها، ووجهه لا يُقرأ. بأمرٍ منه ارتجت الأرض تحت قدميها، فانفتحت بابٌ ترابي عظيم في التلّة. خلفه امتد عالم يخطف الأنفاس من نورٍ ذهبي وخضرة زاهية وأنهار تتلألأ كالبلور السائل.

"هذا هو عالم الجنيات،" قال فيونبهار مشيرًا لها أن تتبعه. "هنا ستواجهين اختباراتك."

حبست مايريد أنفاسها وهي تطأ هذا العالم. كان الهواء نابضًا بالطاقة، وكل صوت بدا أكبر — حفيف الأوراق، همس المياه، نداء طائر بعيد. كان جميلًا وفي الوقت نفسه ساحقًا.

الفصل الخامس: اختبارات الجنيات

قاد فيونبهار مايريد إلى فسحة واسعة حيث تجمّع غيرهم من الجنيات. كان كل كائن مشعًا مثل فيونبهار، ونظراتهم لا تُقَرأ.

"يجب أن تثبت الفانية جدارتها،" قال أحدهم، وصوته يتردد كقرع الجرس. "لتبدأ الاختبارات."

اختبار الرحمة

قادها الاختبار الأول إلى فسحة صغيرة، حيث كان مخلوق مصاب مستلقيًا. بدا كمزيجٍ غريب بين طائر وثعلب، وريشه الذهبي مخضب بالدم. قيل لمايريد إنها يجب أن تشفيه دون أدوات أو سحر.

في البداية شعرت بالعجز. لكنها جلست بجواره فهدأت وشرعت في العمل. استخدمت أوراق الشجر وشرائط من عباءتها لتضميد جراحه، وتكلمت إليه بنعومة لتهدئة أنينه. عندما فرغت، تحرّك المخلوق والتقت عيناه الذهبيتان بعيناها تعبيرًا عن الامتنان.

اختبار الحكمة

في الاختبار الثاني قُادت مايريد إلى متاهة من المرايا. أظهر كل انعكاس نسخةً مختلفةً عنها — بعضها مشوّه، وبعضها بغيض، وبعضها مثالي لدرجة لا تُصدّق. كانت المهمة أن تجد الحقيقة داخل تلك الانعكاسات.

ساعات مرت وهي تتجول متعَبَّةً من الإحباط. ثم أدركت أن الحل ليس في رفض الصور بل في قبولها جميعًا. "كل انعكاس هو جزء مني" قالت بصوتٍ مسموع. في تلك اللحظة تلاشت المتاهة.

اختبار الشجاعة

كان الاختبار الأخير الأكثر رهبة. واجهت مايريد فراغًا دوّارًا من الظلام، جذبته كان ساحقًا. "ادخلي إليه،" أمر فيونبهار، وملامحه صارمة.

ترددت مايريد، والخوف يلتهمها. لكنها أخذت نفسًا عميقًا وخطت قُدُمًا، متوكلة على أن تجد طريقها. ابتلعها الفراغ، ولحظةً عمّ الظلام كل شيء. ثم خرجت إلى ضوءٍ مبهر، وقد كوفئت شجاعتها.

الفصل السادس: الجسر

بعد اجتيازها الاختبارات، أُحضرت مايريد أمام مجلس الجنيات. وتحدث زعيمهم، كائن ذو حضورٍ هائل.

"لقد أثبتت جدارتك. لكن رحلتك لا تنتهي هنا. ستكونين جسرًا بين عوالمنا، تضمنين بقاء التوازن لأجيال قادمة."

اقترب فيونبهار منها، ونظرته ألطَف الآن. "لن تكوني وحدك في هذه المهمة. سنرشدك، لكن المسؤولية ستثقل كاهلك."

أومأت مايريد، وعزيمتها لم تضعف.

الفصل السابع: استعادة الانسجام

عندما عادت مايريد إلى باليْبري، بدأت القرية تشفى. نمت المحاصيل قويةً، تعافت الماشية، وبدأ القرويون يشعرون بحيوية متجددة في الأرض.

نادراً ما تحدثت مايريد عن دورها، لكن وجودها جلب شعورًا من السلام إلى القرية. لم تعد التلّة تتوهّج بالرهبة، بل أرسلت دفئًا لطيفًا — تذكارًا بانسجام بين عالم البشر وعالم الجنيات.

الخاتمة: إرث الجنيات

أصبحت قصة مايريد أسطورة في باليْبري. أحياها القرويون بالعناية بالأرض باحترام وتقدير. بقيت الجنيات، رغم عدم رؤيتها، حضورًا هادئًا، وهمساتهن تُحمل على جناح الريح.

وفي الليالي المقمرة، يدّعي بعضهم رؤية شخصية تقف على قمة تلة الجنيات، مغمورة بتوهجٍ ذهبي — تذكير بأن الجسر بين العوالم لن يُكسر أبدًا.