في قديم الزمان، في غابة وارفَة مفعمة بالحياة، كان هناك سلحفاة تُدعى تانو. كان تانو حكيمًا لكنه كان يحمل أيضًا ميلاً إلى الغطرسة، معتقدًا أن حكمته تضعه فوق سائر الحيوانات. كان يعيش قرب بركة هادئة صافيةٍ تأوي مخلوقات كثيرة، من بينها إوزتان تدعيان غاغان وغاوراف. كان الثلاثة أصدقاء مقربين، وغالبًا ما يطيلون الحديث عن الحياة والغابة وما وراءها.
في يوم من الأيام، بينما كانوا يتحدثون بجوار البركة، ذكر الإوز رحلتهما القادمة إلى بحيرة بعيدة. تساءل تانو فضوليًا ومتحمّسًا: "كيف يكون الطيران؟ ماذا ترون هناك في الأعلى؟"
غاغان، وهو يرفرف بجناحيه بلطف، أجاب: "العالم يبدو شاسعًا وجميلاً من السماء يا تانو. ترى الجبال والأنهار وامتدادات لا تنتهي من الغابات الخضراء."
اشتعالت في قلب تانو رغبة قوية؛ تاقت نفسه لرؤية العالم من فوق. قال متنهّدًا: "أتمنى لو أستطيع الطيران أيضًا لأشهد الجمال الذي تصفونه."
تأمّل غاوراف، الأكثر حكمة بينهما، للحظة ثم قال: "إنها أمنية خطرة يا تانو. أنت لست مخلوقًا للطيران. لكن إن كنت تشتاق إليها حقًا، فقد نجد طريقة لنساعدك."
تلألأت عينا تانو بالأمل. "أخبروني، ماذا عليّ أن أفعل؟" سأل بحماس.
قال غاوراف موضحًا: "يمكننا أن نحملك بيننا إذا أمسكنا بعصا بمنقاريْنا. لكن عليك أن تعد بألا تفتح فمك أثناء الطيران، وإلا فسوف تسقط."
وافق تانو دون تردد، وقد امتلأت مخيلته بالفعل بصور التحليق في السماء. وجدوا عصاً قوية؛ أمسك تانو مركزها بفكيه بإحكام، بينما أمسك كل من غاغان وغاوراف بطرفيها بمنقاريهما.
برفرفة قوية من جناحيهما، انطلق غاغان وغاوراف في الهواء، وشعر تانو بالإحساس المثير للصعود. تقلّصت الغابة أسفله، وتمدّد أمامه امتداد العالم الشاسع. كان أروع مما تخيّل.
بينما كانوا يطيرون فوق قرية، رفع الناس أنظارهم بدهشة نحو ذلك المشهد النادر. سمع تانو همسات الدهشة وشعر بتدفّق الفخر. أراد أن يصرخ لهم ويخبرهم أنه هو، تانو، يطير كطائر، لكنه تذكّر تحذير غاوراف فأبقى فمه مغلقًا.
واصلوا رحلتهم، وسرعان ما حلّقوا فوق قرية أخرى. هذه المرة رأى مجموعة من الأطفال المشهد، فبدأوا يشيرون ويصرخون بحماس. ازداد فخر تانو أكثر فأكثر. كم تمنى أن يتباهى بقدرته الجديدة!
ثم خطر بباله تصور: ماذا لو لم يدركوا أنه هو، تانو الحكيم والرائع؟ تعاظمت رغبته في الكلام والتفاخر بإنجازه، وبدأ ينسى الوعد الذي قطعه.
لاحظ غاغان وغاوراف صراع تانو، وفرّفا بجناحيهما بقوة أكبر على أمل الوصول سريعًا. لكن كبرياء تانو تفوّق عليه. بينما كانوا يطيرون فوق قرية أخرى، لم يعد قادرًا على كبح نفسه.
"انظروا إلي!" حاول أن يصرخ، ولكن ما إن فتح فمه حتى أفلت العصا. انحدر تانو نحو الأرض، تقلب جسده ودار دون تحكّم. سقط بارتطام، وعمّ الظلام.
عندما استعاد وعيه وجد نفسه مستلقيًا على فراشٍ ناعمٍ من الطحالب، والإوز واقفون من حوله والقلق بادي على وجوههم.
"تانو، هل أنت بخير؟" سأل غاغان.
تأنّى تانو وحاول التحرك لكنه شعر بألمٍ حاد في ساقيه. نظر إلى أصدقائه وعيناه تملؤهما الخجلة. اعترف قائلاً: "أنا... لم أستطع المقاومة. أردتُ أن يعرفوا أنه أنا."
هز غاوراف رأسه بحزن. "الكبرياء دائمًا ما يسبق السقوط يا تانو. حذرناك، لكنك تركت الغطرسة تسيطر عليك."
أومأ تانو برأسه، وامتلأت عيناه بدموع الندم. قال: "آسف. كان ينبغي أن أستمع."
ساعد الإوز تانو على العودة إلى بركته، حيث تعافى ببطء خلال الأسابيع التالية. سمع بقية حيوانات الغابة عن سقوطة والدرس الذي حمله. وأصبح تانو، رغم أنه ظل حكيمًا، أكثر تواضعًا، مدركًا أن الحكمة الحقيقية تكمن في إدراك المرء لحدوده والاستماع إلى النصيحة الحسنة.
واصل الإوز زياراته، ونمت صداقتهم أكثر. كثيرًا ما كان تانو يروي قصته للآخرين، مؤكّدًا على مخاطر الكبرياء وأهمية التواضع.
وهكذا انتشرت حكاية السلحفاة التي حاولت الطيران في كل أنحاء المكان، معلّمة الكثيرين قيمة الحكمة والتواضع. لقد تحقق حلم تانو بالطيران، لكن الثمن الذي دفعه كان تذكيرًا بأن ليس كل رغبة تستحق المتابعة، خصوصًا إذا كان ذلك على حساب سلامة المرء.
