تبدأ القصة بتحذير بسيط لكنه مشؤوم: السّاحرات حقيقيّات، وهن أخطر بكثير من نوع السّاحرات العاديّ الذي قد تقرأ عنه في الحكايات. لا يطِرن على المكانس ولا يلبسن قبعاتٍ مدبّبة، لكنّهنّ خطِرات وماكرات، ومهمّتهنّ الوحيدة هي القضاء على الأطفال. يرسم رولد دال عالمًا تمشي فيه السّاحرات بيننا، تخفي فيه هويّتها الحقيقية وراء تنكّرات بشرية تبدو عادية تمامًا، ممّا يجعل من المستحيل التمييز بين من هي ساحرة ومن ليست كذلك.
تحذير جدّتي
كنت في السابعة من عمري عندما توفي والداي في حادث سيارة. كانا مسافرين من النرويج إلى إنجلترا عندما انزلقت سيارتهما عن الطريق، فتركاني يتيمًا. تولّت جدّتي، التي كانت تعيش في النرويج، أمري وربّتني كما لو كنت واحدًا من أبنائها. كانت امرأة قويّة وحازمة، لكن كان في أمرها شيء غريب—شيء غامض. كانت جدّتي خبيرة في أمور السّاحرات.
منذ صغري كانت تحذّرني من وجود السّاحرات. قالت لي: «السّاحرات ليست كنساء عاديّات. إنّهنّ وحوش متنكرة في صورة نساء. يكرهنّ الأطفال، وأعظم متعتهنّ في الحياة أن يجعلنهم يختفون إلى الأبد.» كنت أستمع إلى قصصها بعينين واسعتين، مشدودًا إلى كل كلمة، مرعوبًا ومفتونًا في آنٍ واحد.
«تستطيع السّاحرات أن تشمّ رائحة الأطفال» قالت في إحدى الأمسيات، بصوتٍ منخفضٍ وجاد. «لديهنّ حاسةُ شمٍ استثنائية، وبالنسبة إليهنّ رائحة الأطفال تبدو كريهة مثل رائحة براز الكلاب.» عبستُ أنفي اشمئزازًا. وأضافت بابتسامة: «لكن لا تقلق يا عزيزي، هناك طرقٌ لتحمي بها نفسك.»
سرّ السّاحرات
كبرت تفاصيل قصص جدّتي كلّما كبُرت أنا. كانت تخبرني بعلامات جسديّة يمكن أن تكشف السّاحرة. تشرح لي أنّ السّاحرات دائمًا صلعاء، ولهذا يرتدين باروكات. لكنّ الباروكات تسبّب لهنّ حكةً رهيبة، فإذا رأيتِ امرأةً تحكّ رأسها كثيرًا فقد تكون ساحرة.
كما أنّ السّاحرات لا تملكن أصابعَ قدمٍ؛ أقدامهنّ مربّعة، لذا يرتدين أحذيةً مدبّبة لإخفاء هذا التشوّه. ولديهنّ مخالب بدل الأظافر، يخفيّنها بالقفّازات حتى في منتصف الصيف. لكنّ أفظع ما في الأمر كانت أعينهنّ — حدقات السّاحرات أكبر قليلًا وتتغيّر ألوانها، كالنار.
«لا تنسَ هذه العلامات» كانت تحذّرني جدّتي. «إذا رأيت امرأةً بها أيّ من هذه الصفات، فاركض بأسرع ما تستطيع.»
سألتها كيف تقتل السّاحرات الأطفال. اقتربت وهمست: «هنّ لا يقتلنهم مباشرة؛ ذلك سيكون سهلاً جدًا. تفضّل السّاحرات تحويل الأطفال إلى مخلوقات—حيوانات أو حشرات—لكي لا يعرف أحد ما الذي حلّ بهم. قد تلعب يومًا مع فأر، وقد يكون ذلك الفأر طفلًا حوّلته ساحرة.»
قشعرّ جسدي من قصصها. بعد ذلك، كل امرأةٍ رأيتها جعلتني أتساءل إن كانت ساحرة أم لا. هل كانت السيدة العجوز في الدكان تحكّ رأسها كثيرًا؟ هل كانت معلمتي في المدرسة ترتدي قفّازاتٍ في الصيف؟ لم أستطع إلا أن أشعر بحالةٍ دائمةٍ من الارتياب.
الانتقال إلى إنجلترا
عندما صار عمري نحو تسع سنوات، انتقلتُ مع جدّتي إلى إنجلترا. كانت تظنّ أنّها ستكون بيئةً أكثر أمانًا لي. لكن حتى في إنجلترا لم تكفّ عن تحذيري من السّاحرات. في يومٍ من الأيام، بينما كنّا نسير في الريف، توقّفت فجأةً وأشارت إلى فندقٍ فخمٍ بعيدٍ في الأفق.
«ذلك المكان»، قالت، «هو المكان الذي تجتمع فيه السّاحرات لاجتماعاتهنّ السنوية. كلّ عام يجتمعن في موقعٍ مختلف ليتباحثن طرقًا جديدة للتخلّص من الأطفال. من الممكن أنهنّ يخططن الآن لخطوتهن التالية هناك.»
ضحكتُ بتوتّر، لكنّي لم أستطع أن أزح شعورًا داخليًا بأن كلامها قد يكون صحيحًا.
السّاحرة العظمى
خلال إحدى زياراتنا للريف عانقتُ للمرة الأولى حقيقة وجود ساحرة حقيقية. كنّا أنا وجدّتي نقيم في نفس الفندق الذي أشارت إليه سابقًا. كان فندقًا عتيقًا وفخمًا، وكنت أحبّ التجوّل في غرفه وممراته.
في إحدى الأمسيات، وبينما كنت أتجوّل في أركان الفندق، عثرت على قاعة مؤتمرات كبيرة. كان الباب مواربًا، فتغلب عليّ الفضول. تسلّلتُ لألقي نظرة فَتَسْمَرّت قدماي. في داخل القاعة كانت عشرات النساء مجتمعات، كلّهنّ يرتدين باروكات وقفّازات. كنّ يثرثرن ويضحكن، لكن في منظرهِنّ شيءً مريب.
فجأةً ساد الصمت. صعدت امرأةٌ إلى المنصة في مقدّمة القاعة. كانت قَصيرة القامة، ذات حضورٍ قويٍ وأمرٍ قاطع. عندما خلعت باروكة رأسها، ما إن رأيتها حتى شهقتُ: كانت صلعاء تمامًا! هذه كانت السّاحرة العظمى، أقوى وأخطر ساحرةٍ في العالم.
شاهدت بذهول وهي تلقي خطابًا توجه فيه السّاحرات إلى خطّتهنّ الجديدة للتخلّص من الأطفال. كنّ قد طورن صيغةً يمكنها تحويل الأطفال إلى فئران. «متى نحولهم إلى فئران» قالت بصوتٍ باردٍ ومحسوب، «سيصبح من السهل التخلص منهم.»
وقفت هناك، جامدًا من الخوف، مدركًا أن قصص جدّتي لم تكن مبالغة: السّاحرات حقيقيّات، وها أنا أمام أخطرهنّ على الإطلاق.
الخطة
ركضت عائدًا إلى غرفتنا في الفندق، مُلهَثًا ومرعوبًا. أخبرت جدّتي بكلّ ما رأيت. استمعت بعينين جامدتين، واشتدّ وجها غيمًا مع كل كلمة.
«علينا أن نوقِفَهنّ» قالت بحزم. «إذا نجحن فلن يكون أي طفلٍ آمناً.»
معًا وضعنا خطة: سنسرق الصيغة ونكشف مخطّتهنّ قبل أن يشرعن تنفيذها. لكن الخطة كانت خطيرة. إن أمسكنا السّاحرات، فسيحوّلْنَنا حتميًا إلى فئران — أو إلى ما هو أسوأ.
تسلّلنا تلك الليلة إلى قاعة المؤتمرات. كانت السّاحرات لا زلنّ مجتمعات، لكن انتباههنّ مشتّت. تسلّلت جدّتي بينهنّ، أمسكَتْ بالصيغة، وانسحبنا بهدوء.
التحوّل
في صباح اليوم التالي استعددنا لكشف السّاحرات. لكن شيئًا ما انحرف عن المخطط. بينما كنّا نغادر غرفتنا اصطدمتُ بإحدى السّاحرات في الممر. قبل أن أتمكّن من رد الفعل أمسكت بي وأجبرتني على ابتلاع بضع قطراتٍ من الصيغة. اجتاحني إحساسٌ غريب، ثمّ عمّ الظلام.
عندما استفقت لم أعد نفسي. كنت فأرًا.
هرولتُ إلى جدّتي فصُدمت عندما رأتني. لكنها لم تيأس. «سنجد طريقة لنوقفهنّ» وعدت.
على الرغم من أنّي كنت فأرًا، إلا أنني كنت مصرًّا على المساعدة. تسلّلنا إلى قاعة المؤتمرات مرةً أخيرة ووضعنا الصيغة في طعام السّاحرات. واحدة تلو الأخرى بدأت تتحوّل إلى فئران، تمامًا كما خطّطن أن يفعلن بالأطفال في العالم.
كانت السّاحرة العظمى آخر من تغيّر. وبينما كانت تصرخ غضبًا، انمحى جسدها وتقلّص حتى صارت فأرًا صغيرًا يهرول.
الحياة الجديدة
بعد هزيمة السّاحرات عدت جدّتي وأنا إلى النرويج. كنت لا أزال فأرًا، لكننا أوقفنا مخطّطتهنّ وأنقذنا عددًا لا يحصى من الأطفال. اعتنت بي جدّتي، وعشنا معًا حياةً هادئة وسعيدة.
لكنّ جدّتي لم تتوقف عن تحذيِري كي أبقى متيقظًا. «قد تكون هناك أخريات في مكان ما» قالت. «ويجب أن نكون دائمًا مستعدين.»
أومأتُ برأسي مصمّمًا على البقاء يقظًا. فبعد كل شيء، لا تدري متى قد تصادف ساحرة.
الخاتمة
رواية رولد دال «الساحرات» حكاية مشوِّقة تستكشف قوّة الشجاعة وأهمية الاستعداد للمفاجآت. تذكر القارئ أن الخطر قد يختبئ أحيانًا في أبسط الأماكن، وأن حتى أصغرنا قد يصبح بطلًا. ورغم أن حياة البطل تغيّرت إلى الأبد، فقد مكّنته شجاعته وحكمة جدّته من هزيمة قوّة شرّية عظيمة. تترك القصة أثرًا دائمًا، ليس فقط كحكاية عن السّاحرات، بل كتذكير بأنّ الشرّ يمكن التغلب عليه بالذكاء والعزيمة.
