في الأيام القديمة، عندما كان العالم لا يزال شابًا، خاضت قوى الخير والشر معركة لا تنتهي. كانت الديفاس، أي الآلهة، تجسيدًا للبرّ والنظام والنور، بينما الآسوراس، خصومهم الأبديون، كانوا يمثلون الفوضى والظلام والدمار. كانت كلتا المجموعتين قويتين، لكن لم يطل بقاء أيٍّ منهما في موقع الهيمنة. في صميم صراعهم كانت رغبة مشتركة وخفية: الأمريتا، رحيق الخلود. لو شرب أي طرفٌ من هذا الإكسير لصار لا يقهر، وقادرًا على حكم الكون إلى الأبد.
إلا أن الأمريتا لم تكن سهلة المنال. كانت مخبأة في أعماق المحيط الكوني الشاسع كشيرا ساجارا، بحر من الحليب لا نهاية له يمتد عبر الكون. لم يكن هذا المحيط مكانًا يمكن للموتى أو حتى للآلهة أن يسبحوا فيه أو يبحروا. كان عالماً بدائيًا ميتافيزيقيًا تُنحنى فيه قوانين الزمان والمكان، ولا يجرؤ على دخوله إلا الأكثر شجاعة أو الأكثر طيشًا.
يائسين لتأمين سلطتهم، لجأَ الديفاس، تحت قيادة ملكهم إندرا، إلى الحافظ الأعظم للكون، الإله فيشنو، طالبين نصيحته. فيشنو، المعروف بحكمته وقدرته على حفظ التوازن الكوني، وضع خطة تعاونية؛ فلا يمكن استعادة الأمريتا من أعماق المحيط إلا بالعمل المشترك. كان اقتراح فيشنو جريئًا: على الديفاس والآسوراس، رغم عدائهم، أن يعملوا معًا لتقليب المحيط وإخراج الكنوز الكامنة فيه، بما في ذلك رحيق الخلود.
بداية تقليب المحيط
على الرغم من تشكك الديفاس في الثقة بالآسوراس، أدركوا أن خيارهم كان محدودًا. كانت قوتهم تتضاءل بعد معارك طويلة، وبدون الأمريتا قد يواجهون الانقراض قريبًا. أما الآسوراس، الماكرون والطموحون، فقد رأوا فرصة؛ وعلى الرغم من شكوكهم تجاه نوايا الديفاس، اعتقدوا أن التعاون قد يمكنهم من التفوق على الآلهة والاستحواذ على الرحيق لأنفسهم.
بعد كثير من النقاش، وافق الطرفان على الخطة. وكانت أولى التحديات إيجاد عمود تقليب مناسب—شيء ضخم وثابت بما يكفي لتقليب المحيط. اقترح فيشنو استخدام جبل ماندارا، جبل ضخم ومقدس يصل قِمَّته إلى السماوات وتلامس جذوره العالم السفلي. كان الجبل ثقيلاً وصلبًا ومثاليًا للمهمة، لكنه ضخم جدًا بحيث لا يمكن للديفاس أو الآسوراس أن يرفعوه بمفردهم.
لنقل الجبل إلى المحيط، طلب الديفاس والآسوراس مساعدة جارودا، ملك الطيور وحيوان فيشنو السماوي. بجناحيه العظيمين حمل جارودا جبل ماندارا عبر السماء ووضعه في مركز المحيط الكوني. وبعد أن أصبح عمود التقليب في مكانه، احتاج الآلهة والآسوراس إلى حبل مناسب لتدوير الجبل.
اقترح فيشنو فاسوكي، ملك الأفاعي، الذي كان جسده واسعًا بما يكفي ليحيط بالجبل ويُستخدم كحبل. فاسوكي، رغم تردده، وافق على أن يشارك في هذا المسعى العظيم. واستعد الديفاس والآسوراس للمهمة الضخمة وشرعوا في بداية التقليب.
الخدعة الذكية للآلهة
كان هناك قرار أخير يجب اتخاذه: من سيمسك أي جزء من الأفعى؟ أقنع الديفاس بقيادة إندرا الآسوراس بأن يمسكوا رأس فاسوكي، بينما يمسك الديفاس بالذيل. وافق الآسوراس، غير مدركين لمكر الآلهة. وما لم يدروا هو أن فاسوكي، كأفعى، سيفرغ من فمه أبخرة سامة بمجرد بدء التقليب؛ هذه الأبخرة ستضعف الآسوراس وتمنح الديفاس أفضلية على المدى الطويل.
ومع وجود الديفاس عند الذيل والآسوراس عند الرأس، بدأ التقليب بجدية. جَرّوا فاسوكي ذهابًا وإيابًا، مما جعل جبل ماندارا يدور في المحيط ويحرّك أعماقه. لكن بعد وقت قصير من البدء، أصبح وزن الجبل أكثر من أن يتحمله المحيط، وبدأ جبل ماندارا يغوص.
تجسد فيشنو في هيئة سلحفاة: كورما
عندما رأى الجميع الجبل يغوص في المحيط، عمّ اليأس الديفاس والآسوراس. بدا أن الخطة برمتها محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ. لكن فيشنو جاء مرة أخرى للنجدة. وإدراكًا منه أن الجبل بحاجة إلى قاعدة صلبة تبقيه طافيًا، اتخذ فيشنو شكلًا جديدًا—تحول إلى كورما، سلحفاة عملاقة ذات قوقعة واسعة بقدر الأرض نفسها.
غطس كورما إلى أعماق المحيط ورفع جبل ماندارا على ظهره، موفّرًا الاستقرار اللازم لاستمرار التقليب. وبفضل دعم فيشنو الثابت، استأنف الآلهة والآسوراس جهودهم، يجرون فاسوكي ذهابًا وإيابًا بحيوية متجددة.
ظهور هالاهالا: السم القاتل
مع تقدم التقليب، بدأ المحيط يكشف عن كنوزه الخفية. لكن أول ما ظهر لم يكن كنزًا، بل سم فتاك يعرف باسم هالاهالا. كان هذا السم قويًا لدرجة أن وجوده لوحده هدد بتدمير الكون بأسره. ارتدّ الديفاس والآسوراس رعبًا، غير واثقين من كيفية التعامل مع قوة كارثية كهذه.
في يأسهم، لجأوا إلى الإله شيفا، إله الدمار والتحول. شيفا، المعروف بقوته الهائلة وقدرته على التحكم في قوى التدمير، وافق على المساعدة. أخذ الهالاهالا بيديه وشرب السم دون تردد لإنقاذ الكون.
لكن السم كان فتاكًا لدرجة أنه بدأ يحرق شيفا من الداخل. ولمنع السم من الانتشار في جسده، تدخلت زوجته بارفاتي سريعًا. وضعت يدها على حلقه، فمنعت السم من النزول أكثر. نتيجة لذلك، أصبح حلق شيفا أزرقَ اللون، بينما بقي بقية جسده سالماً. ومنذ ذلك اليوم عُرف شيفا باسم نيلكانثا، أي «صاحب الحلق الأزرق»، تذكيرًا بتضحياته العظيمة من أجل الكون.
الكنوز الإلهية
بعد تحييد السم، استمر التقليب، وسرعان ما بدأ المحيط يفيض بمزيد من الكنوز، كل منها أروع من السابق. عُرفت هذه الكنوز الإلهية باسم راتناس، وكان بروز كل واحدة منها علامة مهمة في توازن القوى الكوني. من بين الكنوز التي ظهرت من المحيط كانت:
1. كامادهينو، البقرة السماوية القادرة على تحقيق أي رغبة وتقديم الغذاء بلا حدود.
2. إيرافاتا، الفيل الأبيض العظيم، الذي صار لاحقًا دابة إندرا ملك الديفاس.
3. أوتشايهشرافاس، الحصان الإلهي ذو السبعة رؤوس، المعروف بسرعته وقوته.
4. كاوستوبا، جوهرة متألقة لا مثيل لجمالها، استحوذ عليها فيشنو وارتداها على صدره.
5. أبساراس، الحوريات السماويات ذوات الجمال الباهر، اللاتي صرن مصدر تسلية الآلهة.
6. كالبافريكشا، شجرة تفي بالأمنيات وتمنح البركة لكل من يلتمسها.
ووجدت كل من هذه الكنوز مكانها بين الآلهة والآسوراس، فاستفاد الطرفان من ثمار هذا الجهد. استمر المحيط في التقليب، لكن الجائزة الأسمى—الأمريتا—بقيت عصيّة.
ظهور دهانفانتاري
بعد ما بدا وكأنه دهر من التقليب، بدأ أخيرًا أغلى وأهم ما كان يُراد يظهر من أعماق المحيط. ظهر دهانفانتاري، الطبيب الإلهي، من المياه حاملاً إناءً متلألئًا يحتوي على الأمريتا، رحيق الخلود. ولدى رؤية هذا الإكسير الثمين اجتاحت الرغبة كلا الطرفين؛ إذ عرف الجميع أن من يشرب الرحيق سيصبح خالدًا.
ما إن ظهر دهانفانتاري حتى اندلع قتال ضاري بين الديفاس والآسوراس. وبفضل قوتهم الفائقة، تمكن الآسوراس من انتزاع إناء الأمريتا من يدي دهانفانتاري. لكن نصرهم لم يدم طويلاً، إذ كان فيشنو قد توقّع هذه اللحظة وكان مستعدًا بخطة تمنع وقوع الرحيق في الأيادي الخاطئة.
خدعة فيشنو: تجسده موهيني
قرر فيشنو، الحكيم الاستراتيجي، استغلال جشع الآسوراس وغرورهم ضدهم. تحول إلى موهيني، فتاة سماوية ذات جمال ورشاقة لا تضاهى. كان سحر موهيني ساحقًا لدرجة أن الآسوراس، الذين كانوا على شفا حرب مع الديفاس، انجذبوا إليها فورًا. وبدون وعي، سلّموا إناء الأمريتا إلى موهيني، معتقدين أنها ستوزعه بعدالة بين الجميع.
ومع ذلك، لم تكن موهيني تنوي منح الرحيق للآسوراس. بدأت تُقدّم الأمريتا للديفاس واحدًا تلو الآخر، ضامنة أن يحصل كل منهم على نصيبه بينما لا يصل شيء إلى الآسوراس.
راهو وكيتو: حارسا الكسوف
بينما واصلت موهيني توزيع الرحيق على الديفاس، شعر أحد الآسوراس ويدعى راهو بالريبة من نواياها. متنكرًا في هيئة ديفا، تسلل راهو إلى الصف وتمكن من تذوق رشفَة من الأمريتا. لكن قبل أن تكتمل فعالية الرحيق، تعرف إله الشمس سوريا وإله القمر شاندرا على راهو ونبها فيشنو.
في لحظة ألقى فيشنو سودارشانا تشاكرا، قرصه الإلهي، ففصل رأس راهو عن جسده. إلا أن راهو، لأنه كان قد تذوق الرحيق، صار خالدًا. ومنذ تلك اللحظة ظل رأس راهو ككيان منفصل، بينما تحوّل جسده إلى كيان آخر يُدعى كيتو. معًا أصبحا قوتين كونيّتين مسؤوليْن عن الكسوف، يطاردان الشمس والقمر أبد الدهر انتقامًا على الخيانة.
انتصار الديفاس
مع إحباط مخطط الآسوراس وتأمين الأمريتا في أيديهم، ابتهج الديفاس. لقد حققوا ما قصدوه: ضمان خلودهم والحفاظ على توازن الكون. شرب كل من الديفاس الرحيق فعادت إليهم قواهم، مما أتاح لهم مواصلة واجبهم الأبدي كحماة الكون.
أما الآسوراس، فبقوا مهزومين ومذلولين. رغم أنهم كادوا أن يستولوا على الرحيق، فإن جشعهم وغطرستهم كانا سبب هزيمتهم. عادوا إلى عوالمهم عاقدين العزم على الانتقام، لكنهم علموا أن توازن القوى قد انقلب لصالح الديفاس.
الإرث الدائم لسامودرا مانثان
سامودرا مانثان، أو تقليب المحيط، هي أكثر من قصة تصارع فيها الآلهة والآسوراس على الهيمنة. إنها استعارة خالدة عن قوى الخلق والهدم، التعاون والصراع، والنضال الأبدي بين الخير والشر.
الكنوز التي ظهرت من المحيط تمثل ثمار المثابرة، بينما يرمز هالاهالا إلى المخاطر والتضحيات التي ترافق المساعي العظيمة في كثير من الأحيان. يعلّمنا تقليب المحيط أن حتى أصعب التحديات يمكن التغلب عليها بالحكمة والصبر والوحدة.
في جوهرها، تذكّرنا القصة بضرورة الحفاظ على التوازن في الكون، وأن لكل من النور والظلام، والخلق والهدم، دورًا أساسيًا في النظام الكوني العظيم.
