استيقظ جريجور سامسا ذات صباح من أحلام مزعجة فوجد نفسه قد تحول إلى مخلوق حشري مروع. كان مستلقيًا على ظهره القاسي الشبيه بالدرع، وعندما رفع رأسه قليلًا رأى بطنه البني المحدب، مقسومًا إلى أجزاء مقوسة صلبة. ساقاه العديدتان، الرقيقتان بشكل يوحى بالشفقة مقارنةً بباقي جسده، كانتا تتلوّيان بلا حول أمام عينيه.
"ماذا بي؟" تساءل. لم يكن ذلك حلمًا. كانت غرفته، غرفة إنسانية عادية وإن بدت ضيقة بعض الشيء، هادئة بين جدرانها الأربعة المألوفة. فوق الطاولة، حيث كانت عينات الأقمشة مبعثرة — إذ كان سامسا بائعًا متجولًا — كانت معلقة صورة قد قصّها مؤخرًا من مجلة مصوّرة ووضعها في إطار مذهب جميل. أظهرت الصورة سيدة ترتدي قبعة وشالًا من الفرو، جالسة منتصبة ورافعًة قفازًا فرائيًا ثقيلًا يغطي ذراعها كلها تجاه المشاهد.
تحوّل نظر جريجور بعد ذلك إلى النافذة. الجو الكئيب — كانت قطرات المطر تتساقط بصوت مسموع على حافة النافذة المعدنية — أَثْقَل عليه بالكآبة. "لعَلّي أعود للنوم قليلًا وأنسى كل هذا الهراء"، فكر، لكن ذلك كان أمرًا مستبعدًا تمامًا. كان معتادًا أن ينام على جانبه الأيمن، لكن في حالته الراهنة لم يستطع أن يتخذ ذلك الوضع. مهما قذف بنفسه نحو جانبه الأيمن بقوة، كان يتدحرج عائدًا إلى الوضع المستلقي على ظهره. لابد أنه جرّب ذلك مئات المرات، مغلقًا عينيه في محاولة لتجاهل الفوضى، لكنه كان يعود ليجد نفسه مستسلمًا.
"يا إلهي"، فكر، "يا لها من مهنة مُرَهِقة اخترتها! يومًا بعد يوم على الطريق. إنها أشد إرهاقًا بكثير من أي عمل مكتبي، وأنا مُعذّب بقلق أن أتأخر عن العودة إلى عملي في الموعد."
كانت ساعة المنبه على الطاولة تدق بصوت مرتفع، كما لو كانت تذكّره بمرور الوقت. نظر جريجور إليها بقلق. "يا للعجب!" فكر. كانت الساعة السادسة والنصف، والقطار التالي يغادر في السابعة! لن يلحق به أبدًا. بالتأكيد لم تكن الخادمة قد أيقظته، وكان على وشك أن يصبح أضحوكة المدير.
كان المدير يهدده بالفصل منذ أسابيع، إذ كثيرًا ما وجد جريجور صعوبة في مواكبة العمل الشاق. كان يشعر كأنه ترس في آلة، بالكاد ينال راحة من الطحن المستمر. طرق والده الباب من الجهة الأخرى، منادياً بهدوء: "جريجور، ألا تنهض؟ لقد نمت طويلاً بما فيه الكفاية!"
حاول جريجور أن يجيب لكنه وجد أن صوته لم يعد صوته. بدلًا من الكلمات خرج من شفتيه صوت غريب مبحوح، أشبه بطنين حشرة أكثر منه كلامًا بشريًا. فزعته والدته فعادت وكررت: "جريجور، أليس كل شيء على ما يرام؟ هل تحتاج مساعدة؟" لكن كل ما استطاع جريجور فعله هو إصدار ذلك الصوت الغريب مرة أخرى.
فجأة سمع وقع خطوات تهرع في الرواق. كان والده يدق الباب بعنف. "جريجور، افتح! المدير هنا. جاء ليعرف لماذا لم تذهب إلى العمل!" أنّب الذعر جريجور. المدير بنفسه؟ كانت كارثة. عليه أن يفعل شيئًا، أن يتحرك، لكن جسده رفض التعاون. ارتجفت ساقاه، وصدر عن درعه الصلب صوت صرير بينما كان يكافح ليتحرّك ببطء نحو حافة السرير. طوال ذلك ظل والده يصرخ وبدأ المدير يتحدث، واضحًا عليه نفاد الصبر مع كل لحظة تمر.
"يا سيد سامسا!" نادى المدير. "أنت تُهمِل واجباتك، ويجب أن أخبرك أن أداؤك أصبح غير مرضٍ للغاية. إذا استمر هذا فلن يكون أمامي خيار سوى فسخ عقد عملك." ضربت تلك الكلمات جريجور بالرعب. فصل؟ كيف ستستمر أسرته بدون دخله؟ كانوا يعتمدون عليه في دفع الإيجار وإبقاء المنزل قائمًا. أجبر نفسه على التحرك مرة أخرى، دافعًا بالاستعانة بأطرافه الجديدة الغريبة ضد السرير، لكنه انزلق ثانية في كومة محرجة.
خارج الباب، كانت أخته غريتا تعصر يديها قلقًا. "أرجوك يا جريجور، دعنا نساعدك! لماذا لا ترد؟" نادت.
في الداخل كان جريجور في حالة من الهياج. كان يعلم أنه يجب أن يقف ويظهر نفسه، لكن كيف؟ صار جسده شيئًا غريبًا عليه، كتلة شاذة وغير متعاونة. بدأ اليأس يتسلل إليه وهو يبذل دفعة أخيرة بكل ما أوتي من قوة، حتى اهتز السرير قليلاً. تمايل على حافة المرتبة، وكاد أن يسقط، قبل أن يتمكن من وضع بعض ساقيه على الأرض. وماذا بعد ذلك؟ كيف يُفترض أن يمشي؟ لم يستطع استيعاب تركيب جسده الجديد.
طالت الدقائق مع تصاعد الصراخ في الخارج وشدّته. تمكن أخيرًا من لف المفتاح في القفل بفمه — إذ لم تكن ساقاه نافعتين — وفتح الباب بصعوبة بالغة. زحف إلى الخارج، كاشفًا عن صورته الجديدة البشعة.
أطلقت والدته صرخة رعب. تراجع والده، وامتلأت عيناه بالاستهجان وعدم التصديق. أما المدير فارتدّ ملقىً بالاشمئزاز المتطابق. كان تحول جريجور قد اكتمل، وكان منظره أكثر مما يحتمله أي من الحاضرين.
في البداية حلّ الصمت. ثم التفت المدير على عقبيه وفَرّ من الشقة دون كلمة أخرى، تاركًا جريجور وعائلته وحدهم في صمتٍ مشحون وخانق.
كانت غريتا أول من تكلمت. "ما... ما هذا؟" همست وهي تحدق في هيئة أخيها المشوهة. أراد جريجور أن يرد ليشرح أنه لا يزال هو نفسه، لكن كل ما خرج منه كان ذلك الصوت الخشن ذاته.
مضت الأيام، وناضلت عائلة جريجور لتتأقلم مع واقعها الجديد. لم تكف والدته عن النظر إليه، وتلك النظرات كانت متقطعة بالكراهية، بينما أصبح والده أكثر عداءً مع مرور الوقت. كان في السابق رجلاً صارمًا متسلطًا، لكنه صار ينظر الآن إلى جريجور كأنه رجس وعبء ثقيل. تدهورت الأوضاع المالية للعائلة إذ لم يعد جريجور قادرًا على العمل، فاضطروا إلى تقديم تضحيات لم يتوقعوها.
كانت غريتا، أخته التي كانت محبوبة فيما مضى، هي من تكفّل برعايته. كانت تجلب له الطعام، لكنه اكتشف أنه لم يعد يتلذذ بالأطعمة التي كان يحبها سابقًا؛ بل أصبح يفضل الطعام الفاسد أو المتعفن، مما أثار اشمئزازها الشديد. ومع تعاطفها الأولي بدا واضحًا أن غريتا نفسها تواجه صعوبة في التكيّف مع الوضع. قلت زياراتها وصارت تفاعلاتها معه فاترة وبعيدة.
شعر جريجور بأنه يغوص في عزلة متزايدة. كان يشتاق للتواصل، كي يجعلهم يفهمون أنه ما يزال الإنسان ذاته، لكن جسده الشبيه بالحشرة حجب عنه أي وسيلة لذلك. كان ازدراء عائلته المتنامي ملموسًا، وعلم أنهم بدأوا يرونه مجرد إزعاج بشع لا أكثر.
مع مرور الأيام إلى أسابيع والأسابيع إلى شهور، تدهورت حالة جريجور أكثر فأكثر. صار أضعف وأكثر انعزالًا، ولم يعد يحاول حتى أن يتحرك في الشقة. بدأت عائلته، وخصوصًا غريتا، تتحدث عنه همسًا كما لو أنه مات بالفعل. توقفوا عن تنظيف غرفته، وتركوها لتتراكم فيها الأتربة والأوساخ حوله، مما زاد من شعوره بعدم الجدوى.
في النهاية كانت غريتا من اقترحت ما لا يمكن تصوّره. "لا يمكننا أن نستمر هكذا"، قالت ذات مساء بعد العشاء. "لم يعد هذا جريجور. مهما كان هذا الشيء، فهو ليس أخانا." وصلت كلماتها، رغم همسها، إلى أذن جريجور فحطمت ما تبقى من روحه. أدرك حينها أنه وحيد حقًا. لقد تخلت عنه عائلته، ولم يعد هناك أمل في المصالحة.
في أيامه الأخيرة كان جريجور بالكاد يتحرك. جسده، الذي كان غريبًا وغير متعاون، قد صار الآن سجناً صنعه بنفسه. ظل راكدًا بلا حراك حتى انسحبت منه الحياة. وفي صباح أحد الأيام، عندما استيقظت عائلته، وجدوه ميتًا.
لم يُقابل موت جريجور بالحزن، بل بالارتياح. انتقلت الأسرة، أخيرًا حرة من عبء وجوده، إلى مواصلة حياتها. بدأت غريتا، التي كانت يومًا عطوفة، تتفتح لتصبح شابة واعدة مفعمة بالإمكانات. بدا والداه أيضًا أخفّ وزنًا، لم يعودا مثقلين بالمخلوق البشع الذي سيطر على حياتهما.
وهكذا تُرك جريجور سامسا، الذي كان يومًا معين العائلة ورازقها، منسيًا. لقد عزلته تحوّلاته جسمانيًا ونفسيًا عن من أحبهم، وفي النهاية كان ذلك العزل هو الذي أدّى إلى هلاكه.
