في جبال البرز الشامخة، حيث تتلألأ القمم المغطاة بالثلوج تحت ضوء القمر الفضي، كانت تقع أرضٌ غارقة في الأساطير. وأكثر هذه الحكايات إثارة كانت حكايةُ التاج المجنّح — أثرٌ قيل إنه صُيغ على يد السماوات نفسها. صُنع من ذهبٍ يضيء كأشعة الفجر الأولى، وتزيّن بريش السيمرغ، الطائر الأسطوري الذي يُقال إنه يجسّد الحكمة والقوة الإلهية.
لم يكن التاج مجرد قطعة جمال أو مصدر قوة فحسب — بل كان اختبارًا للجوهر. تحكي الأساطير عن مَن سعى إليه فانحنَوا أمام جشعهم، وتكشفت عيوبهم عبر تجارب التاج الغامضة. لم يفلح أحدٌ منذ قرون، إذ كان الاعتقاد سائداً بأن لا يملك التاج من القوة إلا من قلبٍ نقي النية.
وصلت هذه الحكاية، منقولةً على ألسنة الرياح ومهموسةً بين أهل القرية، إلى مسامع شابة تُدعى لاله، كانت قلبها يشتعل بالأمل ومصيرها محبوكٌ مع هذه الأسطورة.
نبوءة تتكشف
كانت لاله حالمةً وُلدت في عالمٍ عملي. عاشت في ظل سلسلة جبال البرز في قريةٍ متواضعةٍ حيث كان والدها حدّادًا يعمل بلا كلل لصياغة الأدوات والأسلحة. أمضت أيامها في مساعدته، لكن لياليها كانت تمتلئ برؤى لمستقبلٍ أكثر إشراقًا لوطنها — مستقبلٍ خالٍ من الصراع والمعاناة.
في مساء عيد ميلادها الثامن عشر، وهي جالسة تحت أغصان شجرة أرز مقدسة، رأت لاله شيئًا غير مألوف. هبّت نسمة غريبة عبر البستان حاملةً معها قطعةً من الرقّ. دارت كأنها ورقة خريفٍ وسقطت في حجرتها. الخريطة التي كانت عليها لم تكن شبيهة بأي شيء رأت من قبل؛ نقشٌ فارسي قديم وخطوط تتوهج بخفوت تحت ضوء القمر. والنقش كان يقول:
«للطالبِ الحقِّ، اتّبع الطريق حيث يلتقي النور بالظل.»
خفق قلبها بسرعة. هل كانت هذه علامة؟ هل يمكن أن تقودها هذه الخريطة إلى التاج المجنح، ذلك العنصر الذي سمعته في حكايات طفولتها؟ لقد تحملت قريتها سنواتٍ من الشدائد، وكانت تبتغي سبيلًا يقود أهلها نحو غدٍ أفضل. دون تردُّد، قررت أن تتبع ما دلّت عليه الخريطة.
الرحلة إلى المجهول
مع بزوغ الفجر وتسلل أول ضوءٍ عبر الأفق، انطلقت لاله. ولأن والدها أحس بثقل قرارها، أعطاها خنجره المصقول لحمايتها. وبحقيبةٍ من المؤن، والخريطة، وبقلبٍ مبقٍ على الأمل، دخلت المجهول.
قادتها الخريطة إلى قلب جبال البرز، حيث يبتلع الغابة الكثيفة ضوء النهار وتصبح الأرض غادرة. جاء اختبارها الأول أسرع مما توقعت. نهرٌ جامح بمياهه الهائجة أغلق طريقها. تذكرت نصيحة والدها — «كوّني الحلول كما أكوّن الحديد» — فوجدت طريقة لصنع طوف من الأغصان المتساقطة. لم يكن مثاليًا، لكنه حملها بأمان إلى الضفة الأخرى.
ومع مرور الأيام، أخذتها رحلتها عبر صحارى لاهبة وممرّاتٍ صخرية. جلبت الليالي رياحًا قارسة وهمساتٍ غريبة، لكنها واصلت السير، مدفوعةً بأملِ ما هو أعظم.
المعبد المهجور
بعد أسبوعٍ من السفر المُرهق، وصلت لاله إلى معبدٍ قديم منحوت في وجه جبل. بدا المبنى، رغم ما أصابه من تقَادُم، عظيمًا وكأن التاريخ ينبض في جدرانه. نقشٌ على حوائطه يصور السيمرغ والتاج محاطين بضوءٍ ساطع.
في الداخل واجهت أول اختبارٍ من طرازٍ غامض. بينما كانت تمشي في الصالة، علت المشاعل المصطفة على الجدران شعلةً، وارتدّ صدى صوتٍ يقول:
«لكي تمضي قدمًا، أظهري شجاعتك. ادخلي إلى المجهول وثقي بمسارك.»
أمامها انفتحت الأرض لتكشف عن هوّةٍ عميقة. ومع خفقان قلبها أدركت أنه لا سبيل مرئي للسير قدمًا. جمعت شجاعتها، أغلقت عينيها وخطت إلى الأمام. لامست قدمها شيئًا صلبًا — جسرٌ غير مرئي لكنه راسخ، لم يكشف عن نفسه إلا حين مشت عليه.
تحدي السيمرغ
عند الجانب الآخر من الهوّة وقفت تمثالٌ ضخم للسيمرغ، جناحاه متباعدان كما لو أنه على وشك الانطلاق. كانت عيناه المصنوعة من الأحجار الكريمة تتوهّج، وصوته يملأ المكان بوقارٍ وهيبة:
«لا يمرّ إلا مَن قلبه خالٍ من الجشع. قُل حقيقتك وأثبت جدارتك.»
ترددت لاله لوهلة. ركعت أمام التمثال وفتحت قلبها على مصراعيه. اعترفت بشكوكها ومخاوفها، بلحظات ضعفها، وبأعمق آمالها — بإيران موحَّدة وسلمية، حيث تسود الحكمة على السلطة. عمّ سكون لبضع لحظات ثم اشتدّ بريق عيني التمثال. انفتح جناحاه كاشفًا عن درج ينزل إلى داخل الجبل.
«لقد تحدّثتِ بصدق. الرحلة مستمرة.»
متاهة الحقيقة
قادها الدرج إلى متاهةٍ ملتويةٍ من الأوهام. عند كل منعطف واجهت رؤىً تلاحقها: والدها في ألمٍ عميق، قريتها تشتعل نيرانًا، وحتى هي نفسها مأسورةٌ بشهوة السلطة. كانت تلك الصور تختبر عزيمتها، وتجبرها على مواجهة مخاوفها الأعمق.
بإرادتها الصلبة وبتوجيه الخريطة كدليل، واصلت لاله المضي قدمًا. مع كل خطوة تلاشت الأوهام تدريجيًا حتى خرجت أخيرًا إلى قاعةٍ ذهبية. في وسطها، معلقًا فوق قاعدة، كان التاج المجنّح.
اختيار التاج
حين اقتربت لاله، أطلق التاج نورًا لامعًا، وعمّ الصوت القاعة قائلاً:
«لماذا تطلبينني، أيّتها الفانية؟ أجيبي بحكمة، فدوافعك ستشكل مصيرك.»
أجابت لاله بصوتٍ رصين: «لا أبتغي السلطة، بل أطلب الحكمة لأقود شعبي. أريد أن أوحّدهم وأن أنهِي دوامة الكراهية واليأس.»
غمرها النور، ولبرهة شعرت بثقل اختبارات التاج. ولما خفت الضوء، استقر التاج على رأسها، وملأها دفؤه وصقله بمنحها وضوحًا وقوة.
عودة القائدة المتوّجة
عادت لاله إلى قريتها، لكنها لم تعد كما كانت. انتشر خبر رحلتها، وبدأت القبائل المجاورة التي طالها الانقسام تتلاقى. استثمرت حكمة التاج في الوساطة بين المتخاصمين، ونحتت تحالفات، وألهبت نفوس الناس بروح الوحدة.
لكن قوتها الجديدة جذبت أيضًا أعداء. سعى أمراء الحرب والمستغِلُّون إلى انتزاع التاج، مما اضطر لاله للدفاع ليس عن نفسها فحسب، بل عن القيم التي تؤمن بها. بشجاعة ودبلوماسية، تجاوزت كل محنةٍ واجهتها.
الاختبار الأخير للتاج
بعد سنوات، حين وقفت إيران على أعتاب السلام، خاطبها التاج مرةً أخرى:
«لاله، لم تنتهِ رحلتك بعد. أعظم أفعال القيادة معرفة متى تتنازل. هل أنتِ مستعدة للتخلي عني؟»
آلَمها هذا السؤال، لكن حكمة كلمات التاج كانت واضحةً في قلبها. وضعت التاج المجنّح في ملجأٍ عميق داخل جبال البرز، ضامنةً أن يظل هادياً للباحثين عن الحق في قادم الأيام.
خاتمة: إرث من الأمل
أصبحت قصة لاله أسطورةً ورمزًا للأمل والإيثار. ورغم بقاء التاج المجنّح مخفيًا، استمر أثره يلهم أعدادًا لا تحصى للحلم بإيران موحّدة وسلمية. همست جبال البرز باسمها، وبقيت سيرتها منارةً تُنير الدروب في عالم غالبًا ما يغشاه الظلام.
هذه النسخة الموسعة تلبي الآن الطول المطلوب وتضيف عمقًا أكبر للشخصيات والاختبارات والمواضيع. أخبرني إن رغبت في مزيدٍ من التنقيحات!
