المقدمة
تذكّر النهر قبل أن تتذكر البلدة. حفظ أسماء الصيادين ومسارات الأوراق؛ احتفظ بالحركات البطيئة والصابرة لأشياء عاشت أطول من جدران البيوت ومن مدى الذاكرة البشرية. هنا، في المستنقعات المنخفضة وعلى ضفاف الصفصاف في جيانغنان، بدأت الأفعى البيضاء تفرد انتباهها الطويل. كانت كائناً من سنوات باردة طويلة—ذكاء مطوَّى داخل لمعان القشور تحت ضوء القمر، مخلوق يتعلم من الفصول لا من الخطب. وصل الفضول كتيار دافئ: اندفاع من الأسئلة عن الأقدام، عن الضحك، عن الأيادي التي تستطيع أن تمسك بيد الآخر. راقبت أيام السوق، واقتبست إيقاع الكلام من بائعات الشاي، وتدرّبت على الرقة من نساء مسنات يصلحن الحرير قرب الماء. كلما راقبت أكثر، نما لديها ألم ليس جوعًا بل نوع أقدم من الشوق. أن تكون إنسانًا كان نبأً تتذوقه؛ وأن تحب ويحبك كان نبأً تستنشقه مع كل تموّج. هذه ليست الرحلة المرتبة التي تُروى على مسارح المهرجانات حيث تُصنَّف الأسماء بوضوح إلى بطل وشرير. إنها خريطة أعمق تتتبّع كيف تتعلّم الروح المشي بين البشر، وكيف يتعلّم هؤلاء البشر — بعضهم رقيق، وبعضهم قاسٍ، وبعضهم صارم بالقانون — تسمية تلك المودة الغريبة التي تربطهم. عبر المعابد وبيوت الشاي، تحت المذابح المضاءة بالشموع وفي سكون الأجنحة منتصف الليل، يصبح تحوّل الأفعى البيضاء دراسة في الترجمة: من القشور إلى الجلد، من الجوع إلى الشوق، من الصمت إلى ألحان الحياة العادية. هنا تجد شيو شيان، بأياد عملية وطيبة صادقة ومتواضعة؛ فاهَاى، بثياب تشبه أفقًا من قوانين حديدية؛ قرويين يحملون خرافات مدوية مطوية تحت المظلات؛ والنهر، شاهدًا دائمًا على كيف يهدم الحب الصخر ويحرّك الطمي، وكيف يُعيد ترتيب ما ظُنّ أنه دائم. الحكاية التالية تسير على هامش العجب والوصايا — بين ما يقرر المجتمع أنه يجب إدانته وما يصرّ عليه القلب الخاص أن يحتفظ به. تسأل ليس فقط إن كان روح يمكن أن يصبح إنسانًا، بل إن كان الإنسان قادرًا على احتواء اتساع الروح دون أن ينكسر. وتتساءل عن القصص التي نرثها حين نعبد، حين نحكم، وحين نغفر.
الأصول والأشكال والنحو الغريب للشوق
أبكر تصورات الأفعى البيضاء تُروى غالبًا اختصارًا: كائن من أصل ثعباني يتعلّم أن يحب رجلاً اسمه شيو شيان، يُعارَض من راهب يُدعى فاهَاى، ويعاني العواقب. هذه هي العظام. القطوع الأعمق تكشف العضلات والنخاع: لماذا تشتاق روح إلى حياة تُؤطَّر بلحم هش فانٍ؛ ماذا يعني أن يُسَمّي المجتمعُ الفعلَ تجاوزًا حين يبدو التجاوز أيضًا أشبهَ بالوفاء؛ وكيف يتحوّل التحوّل إلى نحو للرغبة في عالمٍ تَكون فيه الحدود مسامية.
في النسخ الأقدم، الأقل ترتيبًا من الأسطورة — تلك التي تُروى بضوء الفانوس لأطفال لم يَخَفُوا الوحوش بعد — لا تُصوَّر الأفعى البيضاء ببساطة كفاتنة ولا كمجازٍ خالص للخطيئة. إنها وعي نما داخل حيوان. تتعلّم بالمحاكاة، نعم، ولكن أيضًا عبر تراكم بطيء للاهتمام. علّمها طيران اليعسوب توقيتَ الحركة؛ علّمها نشيد الصيّاد الإيقاع؛ علّمها رجفان امرأة عجوز كيف تكون رحيمة بمفاصلٍ لم تعد تُطيع. عندما تصبح باي سوزهن، فإنها لا "تسرق" الإنسانية؛ بل تكسبها في معاملات صغيرة غير براقة: عند شراء رزّ من كشك وعدم حساب البدل في البداية؛ عند تعلّم ألم العمل بعد حمل الأكياس؛ في إذلال أن تُمنع من دخول بيت لأن حذاءها غير مألوف.
تنطوي بعض الروايات على قسوة متعمّدة، كما لو أن الكون نفسه يختبر ما إذا كان ادعاء الروح بالحب يمكن أن يكون مشروعًا. لكن تأمل اقتصاد التعاطف الذي تجمعه باي سوزهن. تُمارس الكلام حتى يصبح إيقاع الحِركات كالمدّ. تتعلّم احتمال الحزن وإبقاء حياة جديدة ثابتة أمام عواصف الحظّ المفاجئة. عندما تجتاز العتبات بأردية مطرّزة، لا تكتفي بارتداء قماش جديد — إنها تجرب تواريخٍ وواجبات. وهذا مهم لأن الحب، في هذه القراءات الأعمق للحكاية، ليس شهيقًا لحظيًا. إنه تلمذة. تتعلّم الأفعى البيضاء حرفَ الصبر والإصلاح المنزلي؛ تتعلّم متابعة الديون وأعياد الميلاد؛ وتدرك أن الثقة ليست فعلًا بطوليًا واحدًا بل آلاف الإيماءات الصغيرة التي لا تلفت الأنظار.
على النقيض من ذلك، يقدم شيو شيان فضائلَ عادية راقبتها الروح من بعيد: الثبات، الضحكة الأسهل، الميل إلى صلاحٍ متواضع. ليس محاربًا عظيمًا ولا فيلسوفًا يفسّر معاني الأرواح الكونية. هو صيدلاني ورجل يطوي حياته بحركات نظيفة. يعتني بمحلّه بتوقير للعلاجات النباتية والبشرية على حد سواء، وفي تلك الألفة المتواضعة — تحضير الأدوية، الاستماع إلى اعترافات الزبائن، رعاية الضعفاء — تكتشف باي سوزهن معنى أن تكون محتاجًا بلا بهرجة. علاقة التعارف بينهما أقلّ رومانسيةً مسرحية متهاوية وأكثر تلمذة متبادلة. تقدم هي التفاني الصبور لكيانٍ راقب الفصول؛ وهو يقدم الثقة اليومية التي غذّت آمالًا صغيرة عديدة. يصبح اتحادهما، بشروطه الخاصة، تجربة حول ما إذا كانت زمنيات مختلفة — زمنٌ بطيء تراكمِي وزمنٌ محدود بحياة بشرية عابرة — قادرتين على التعايش فعلًا.
هذا يقود إلى عقدة الصراع التي تمنح الحكاية احتكاكها الأخلاقي: المجتمع وقوانينه. يظهر رهبان مثل فاهَاى في نسخ متعددة كمنفذين لنظامٍ كوني. في بعض التباينات، لا يدفع فاهَاى بالضرورة بالبرّ الأكاديمي بقدر ما يدفعه قانونٌ شخصي للفصل — إصرار على أن يبقى عالم البشر خاليًا من أرواح تُخلِّ بإيقاعات المجتمع. غالبًا ما يُقرأ معارضته كصوت السلطة المؤسسية: حارس حدودٍ مهمته الحفاظ على تصنيف الكائنات المتوقّع. ومع ذلك، حين نُعمّق النظر، لا يكون فاهَاى مجرد شريرٍ قشْري؛ فهو يحمل خوفًا معقولًا. بالنسبة إلى راهبٍ شاهد الأرواح تغري وتدمر، يبدو احتمال السمو عبر التجاوز كعدوى. حيث ترى باي سوزهن إمكانًا، يرى فاهَاى انهيارَ الاتفاقات الاجتماعية الهشة التي تسمح للقرى بالصمود عند المجاعات والفياضانات والاضطرابات السياسية.
ما تعقّده القراءات الأعمق هو فكرة أن القانون والحب مفاهيم متقابلة بالضرورة. بل تكشف هذه القراءات عن توتر حواري؛ ينبثق القانون من قصص تراكمية ساعدت الجماعات على البقاء، بينما يتدخّل الحب في تلك السرديات بطرق لا يمكن التنبؤ بها. وجود باي سوزهن يضطرّ القرية إلى مواجهة حدود تصنيفاتها — ماذا تفعل عندما ينبعث الحنان من مصدر غير متوقّع، أو عندما يبدو فعل الرحمة وكأنه رفض لمنطق المحظورات. الدراما ليست مجرد موضوع لاهوتي؛ إنها منزلية وجماعية: جيران يهمسون، أصدقاء يعيدون حساب تحالفاتهم، سجل المعبد يزداد سماكة بالعطايا واللعنات.
هناك لحظات في هذه السرديات الطباقية حين يصبح الخارق شبه ثانوي. أردية الأفعى البيضاء البيضاء، ووميض القشور عندما تتحرك بسرعة كبيرة، وملح الدموع على خديها — هذه التفاصيل اختصارات لاستجواب أوسع حول الانتماء. كم يكلف المجتمع أن يستبعد من يحب جيدًا؟ وما ثمن أن يخفي الفرد مقياس نفسه الكامل للحصول على القبول؟ تختار باي سوزهن الانكشاف. تفتح نفسها لتُرى، معرضةً لتبعاتٍ بشرية من النميمة والخيانة والخوف. ذلك الاختيار يعيد تشكيل السرد: فهي لا تطارد الرومانس فقط بل تختبر فرضية اجتماعية — هل يمكن للعضلة الأخلاقية للقرية أن تتّسع لاحتواء الاختلاف؟ كثيرًا ما، عندما تُروى القصص بضوء الشموع، يضيف مستمعٌ مسن تحذيرًا منخفضًا: هذه الاختبارات لا تنجح دائمًا. أحيانًا يعيد النهر ما استُعير، وأحيانًا يحافظ الأموات على أشكالهم القديمة. لكن سرد الحكاية يبقيها حيّةً بذاكرةٍ أخرى: ذاكرة للرحمة ترفض تقسيمات مرتبة بين الأحياء وما سوى ذلك.
الفيضان والحكم: معبد جينشان، فاهَاى، وثقل الذاكرة
لا تبلغ أي إعادة لرواية أسطورة الأفعى البيضاء ذروتها العاطفية دون أسطورة معبد جينشان والفيضان، تسلسلٌ يبلور الصراع بين التفاني الخاص والواجب العام. في السرديات الأكثر اختزالًا، يبدو الفيضان مشهدًا استعراضيًا: طرد روح على يد راهب، انكشاف امرأة، خيانة زوج. في القراءات الأعمق نجد كارثة بالحركة البطيئة حيث يتقاطع الماء والقانون؛ حيث تتحوّل أرضٌ شكلتها الفيضانات الموسمية إلى مسرحٍ لقلق أخلاقي وهندسي.
يقع معبد جينشان كعلامة ترقيم صارمة على شفة النهر. كان لعدة أجيال مكانًا تُفْسِر فيه الجماعة الكوارث: تقديم الصلوات للحصاد، وحرق البخور للأسلاف، وأحيانًا الفصل فيما إذا كانت مصيبةٌ طبيعية أم فعل روحٍ مضطربة. تجمع المعابد السرديات عبر الطقوس، محوِّلة المآسي العابرة إلى دروس مسجّلة. عندما يبدأ حب باي سوزهن وشيو شيان في شدِّ حواف النسيج الاجتماعي، يصبح جينشان المكان الذي يترجم فيه الخوف إلى فعل.
أسطورة الفيضان ليست صدفة درامية بل صورة ثقافية دقيقة. جيانغنان، الإقليم الذي تتوضع فيه القصة غالبًا، تشكّلت تاريخيًا بإدارة المياه—رفع السدود، تفاوض مجاري الأنهار، العمل الجماعي لشعوب تعرف أن الماء يمكن أن يكون معطاءً ومُدمِّرًا في آن. في هذا الإطار، يصبح القلق من الأرواح رمزًا مرمَّزًا لقلقٍ أوسع حول عدم قابلية النظم البيئية للتنبؤ. اتهام روح بأنها سبب الفيضان، في نظم المعرفة القديمة، هو سبيل لفهم الخطر: سردٌ يكشف كبش فداء يجعل العمل الجماعي ممكنًا. فطرد الأرواح إذًا يعمل كمحاولة لتحويل مجرى النهر. طرد فاهَاى للأرواح يتعلّق بقدر ما بإعادة تأكيد سيطرة البشر على المشهد كما يتعلّق بفرض نقاء ميتافيزيقي.
لا تبرر هذه الاعتبارات التاريخية القسوة، لكنها تمنح اختيارات الشخصيات ثقلًا أخلاقيًا. يعتقد فاهَاى أن أفعاله تحفظ حياة الجماعة. يخشى أن السماح للأرواح بحرية التصرف يعني دعوة كارثة عشوائية. عندما يواجه باي سوزهن في جينشان، يفسّر حبّها على أنه زعزعة للاستقرار: إغراء ليس لرجلٍ واحد فحسب بل لنظامٍ اجتماعي كامل. علاجُه مسرحي وقسري — كلمات طقسية، أدوات مقدسة، رفع حاجز بين الإنسانية وما هو آخر. يستدعي أحكامًا بوذية وسلطة المعبد لتبرير حكمه.
ردّ باي سوزهن ليس مجرد دفاع شخصي بل عرض لتكاليف الإقصاء. تستدعي مزاجات النهر لتظهر أن للرحمة عواقب لطيفة وعنيفة معًا. في بعض النسخ تستدعي أرواحًا موالية لرفع فيضانٍ يطوّق جينشان، عرضٌ مؤثر لكيف يمكن أن تنقلب الحدود بين الحفظ والانتهاك. يصبح الماء، الذي كان مصدر رزق، وسيلة للحجاج الأخلاقي. بالنسبة لأنصار باي سوزهن، يمثل الفيضان فعل احتجاج: طريقة لمطالبة القانون والطقس بأن يأخذا بعين الاعتبار أن الفئات الأخلاقية أحيانًا تخنق من تدّعي حمايتهم. بالنسبة لأعدائها، هو دليل على خطر الاختلاف غير المنظم.
السرد الذي يلي — عذابات شيو شيان، عرض قوة باي سوزهن، والسجن أحيانًا تحت برج ليفنغ في بعض الروايات — هو تحليل للعقاب والذاكرة والقدرة على التحمل. صورة البرج كقفل لها رنين عالمي: برج يحبس امرأة في مكانها بينما تمر الأجيال. لكن يمكن قراءة هذا الرمز أبعد من رعبه الحرفي؛ فالبرج يعمل أيضًا كأرشيف، مكان تُخزّن فيه القصص ويعاد قراءتها من قِبَل مشاهدين لاحقين قد يفهمون أخيرًا ما حدث. الذاكرة في هذه الحكاية طبقية: هناك ذاكرة النهر التي تتذكر حيث غرقت القوارب؛ وذاكرة المعبد التي تبقي مصابيح العقيدة المضاءة؛ وهناك الذاكرة البشرية غير الموثوقة والمتقلّبة — ذاكرة شيو شيان التي دفأها الحب ثم بردها الخوف والشائعات.
في بعض التباينات الأعمق، يوجد لفيضان جينشان حياة لاحقة لا تسمح بها النسخ الأبسط. فمثلاً، يقدّم بعض الساردين خروج باي سوزهن في نهاية الأمر ليس كرأفة إلهية بل نتيجة التوسلات المتراكمة: أجيال لاحقة تعرف إخلاصها وتشهد التناقضات في يقين فاهَاى فتقدم قرابين وتعيد السرد، فيتآكل صلْب العقاب بوزن التعاطف الجماعي. يتشقّق البرج، أو يأتي طفل لاحق إلى النهر وينطق اسمها، فيرخو الختم. تحافظ هذه النهايات على عبرة أساسية: الأحكام الاجتماعية ليست أبدية إذا اختار عدد كافٍ من الناس أن يتذكّروا بشكل مختلف. في نسخٍ أخرى تبقى الحكاية بلا شفقة؛ يقف البرج، وتبقى الأفعى البيضاء محبوسة، ويستمر النهر في جريانه. ومع ذلك، يبقي السردها على قيد الحياة عبر الذاكرة، لأن القصص تتدفّق كالماء: تتسلّل إلى الأرض وتنبعث مرة أخرى في الأغاني وفي تهويداتٍ تحذيرية.
ما تبرزه هذه القراءات الأعمق هو تعدّد الاستجابات البشرية. القرويون ليسوا صوتًا واحدًا. بعضهم يقف مع فاهَاى خوفًا من الفيضان؛ بعضهم يؤوي باي سوزهن لأنهم يعترفون برقتها؛ وبعضهم يراقب من العتبات متردّدًا، ينتظر ليعرف إلى أي جهة سيجرف النهر. الحكاية، إذا ما فُحصت بكاملها، تقاوم الأخذ بمكرّرات أخلاقية سهلة. تصبح مرآة تسمح لكل جيل أن يسأل كيف يتعامل مع الاختلاف: هل يختار القانون من أجل النظام أم يمرّنه لينحني نحو الرحمة؟ وفي الحساب الأخلاقي النهائي، تُصرّ القصة على تواضع جذري: المجتمع الحكيم هو الذي يذكر نفسه أنه قد يخطئ، وأن القوانين قد تحتاج إعادة نسج، وأن ما يبدو حمايةً في موسمٍ قد يتحوّل إلى ظلمٍ في موسمٍ آخر.
حتى في النسخ التي تظلّ فيها الأفعى البيضاء محتجزة، يبقى استمرار الحكاية شكلًا من أشكال المقاومة. الناس يهمهمون لحن معاناتها تحت المظلات، ينحتون صورتها في ألعاب خشبية صغيرة، يهمسون باسمها في آذان الأطفال النائمين. الذاكرة، مثل الماء، تجد قنواتها. الأسطورة ترفض أن تتصلّب بالكامل إلى قصة تحذيرية لأنها تحتوي داخلها مواقف مبهمة — حب وخوف، قانون ورأفة. تلك التوترات هي سبب رواية الحكاية وإعادة روايتها وتكييفها وتطريزها عبر القرون. ما دام للأنهار دور في تشكيل حياة البشر، ستستمر الأفعى البيضاء في اختبار كيف تفسّر المجتمعات جمال الاختلاف المضطرب.
الخاتمة
تبقى القصص لأن فيها قدرة على أن تُروى مختلفًا. تحمل أسطورة الأفعى البيضاء مرآة معقّدة للمجتمعات البشرية: تسأل كيف نوازن بين الخوف والرعاية، كيف نوفّر مكانًا لمن لا يناسبون التصنيفات النظيفة، وكيف يمكن أن تتحوّل المؤسسات التي نبنيها باسم النظام أحيانًا إلى أدوات أذى. تحوّل باي سوزهن من القشور إلى الجلد ومن النهر إلى البيت هو تأمل في الشوق كقوة تساؤلية — فيما يحدث عندما يصرّ شوق داخلي على دخول الفضاء العام. تذكّرنا حلقات فيضان جينشان بأن النُظُم البيئية والأنظمة الاجتماعية متشابكة؛ يصبح الماء لغةً أخلاقية، وتتحوّل الطقوس إلى بنيةٍ تحتية. ينبع يقين فاهَاى، مهما كانت صرامته، من قلقٍ مشروع على بقاء الجماعة؛ لذا فإن تغاضيه إنما هو تحذيرٌ لا تصويرٌ كرتوني بسيط.
في قراءات هذه الحكاية الأعمق لا يوجد شرير واحد أو بطل واحد، بل دوافع متداخلة تشكَّلت بالخوف والحب وإدارة الموارد والعادة البشرية العنيدة في رواية القصص للشعور بالأمان. وإذا وُجد أمل في هذه الروايات، فمؤسّسه سخاء الذاكرة البطيء المتآكل: أجيال لاحقة تسمع القصة وتدرك الثمن الذي فُرض على امرأة أحبّت بإخلاص، فقد تختار ردودًا مختلفة. قد يبنون قنوات تدير الماء دون أن ينسوا أسماء من صرخوا راجيًا الرحمة. قد يُعلّمون أن الشرعية تُكتسب بالولاء لا فقط بالنسب أو بالقانون. هناك تعزية صغيرة وهادئة أيضًا: تبقى الأساطير لأن القلب البشري لا يكفّ عن السؤال عمّا هو ممكن. روحٌ حُبِسَت تحت برج ليفنغ قد تظل حرة في همسات طفلٍ على ضفة النهر، وتلك الهمسة، المحمولة مع التيار، هي نوعٌ خاص من الفيضان الذي لا يُحتوَى.
