في أعماق جبال بوكوفينا المغطاة بالضباب في رومانيا، ظلت أسطورة قديمة حية، تنتقل عبر همسات الجدّات إلى الأطفال ذوي العيون الواسعة الجالسين حول النار. كانت تحكي عن بئر مخفي، أقدم من الذاكرة، مدفون في طيّات جبال أوبسينيلي بوكوفينا، حيث بدا الزمن نفسه متردداً. أطلقوا عليه اسم «إزفورول فيرمكات» — أي البئر المسحور. لم يكن هذا البئر ينبوعًا عادياً. قيل إنه يمنح الحكمة ويشفي جراح الجسد والروح، وأحيانًا — إذا كان المسافر جديرًا حقًا — يمنح لمحات من المستقبل. لكنه كان محروسًا؛ روح من العالم القديم حمت مياهه، لتضمن أن لا يجده إلا من كانت نواياه طاهرة. قليلون من الباحثين عادوا. الذين عادوا تحدّثوا عن اختبارات، عن أصوات في الضباب، عن وجود يراقب كل تحركاتهم. وهكذا، مع مرور الزمن، أصبح البئر حكاية منسية، قصة تُروى على موقد النار لا أكثر. حتى وجد أندريه مونتيانو مفتاح وجوده.
نداء الباحث
كان أندريه دائمًا رجلاً يطرح الأسئلة. كمؤرخ من سوتشافا، قضى حياته مطاردًا حكايات مدفونة تحت قرون من الغبار. كانت يدايه ملطختين بالحبر بدل الندوب، وكانت معاركه تُخاض بأوراقٍ هشة بدلًا من السيوف. بالطبع قد سمع عن البئر المسحور من قبل، لكنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد — حتى عثر على مخطوطة قديمة مخبأة في أرشيف دير بوتنا.
كان الرق هشًا، وأطرافه تتفتت عند اللمس. والخط — شكلٌ بدائي من الرومانية القديمة ممزوج بالسيريلية — تحدّث عن مكان البئر بألغاز، محذّرًا من الاختبارات التي تنتظر كل من يطلبه.
«الخطوة الأولى: الخوف. الثانية: الحقيقة. الثالثة: القدر.»
بينما كان أندريه يمرّر أطراف أصابعه على الحبر المتلاشي، تحرّك شيء في صدره. لم يستطع تفسيره، لكنه عرف أنه يجب أن يذهب. ومع بزوغ الفجر، حزم أمتعته.
إلى قلب بوكوفينا
كانت الرحلة طويلة. انطلق أندريه من سوتشافا غربًا، متتبعًا طريقًا قديمًا شبه منسي يقود نحو الغابات الكثيفة في كامبولونغ مولدوفينيسك. مرّ بقرىٍ لم تمسّها يد الزمن، حيث لا يزال الشيوخ يجلسون على شرفات خشبية يروون حكايات أقدم من رومانيا نفسها.
في إحدى تلك القرى، التقى بابا إيلينكا، امرأة ذات عينين حادتين كحدة عين الغراب. جلست بجانب النار، ويداها المتجعدتان مشبوكتان حول عصا خشبية.
«هل تبحث عن البئر؟» سألت، كما لو أنها انتزعت الفكرة من عقله.
أومأ أندريه برأسه.
هزّت المرأة العجوز رأسها بسخرية. «ذهب كثيرون. عاد قليلون. وعدد أقل عادوا سالمين.»
لم يرتبك. «أخبريني بما تعلمين.»
تنهدت بابا إيلينكا ثم اقتربت، ورمى نور النار ظلالًا عميقة على وجهها.
«إن كنت حقًا تريد إيجاده، اتبع الذئب. ومهما فعلت، لا تستمع للأصوات.»
لم يفهم أندريه ما قصدت. ليس بعد. لكنه سيفهم.
الغابة الهامسة
عند الغسق، دخل الغابة. كانت الأشجار شامخة وقديمة، جذوعها مغطاة بطبقة كثيفة من الطحلب. عَبَق الهواء رائحة التراب الرطب والصنوبر، لكن تحته امتد شيء آخر — شيء قديم، شيء يراقب.
جاء الاختبار الأول في غياهب الليل.
بينما كان أندريه يمشي، سمع وقع خطوات خلفه. بطيئة. متأنية. استدار. لا شيء.
ثم، من بين الأعشاب الكثيفة، برز ذئب أسود. كان فراؤه داكنًا كليلةٍ بلا قمر، وعيناه تتوهّجان بلون الكهرمان الذهبي. وقف ساكنًا يراقبه.
شعر أندريه بقلبه يدق في حلقه. تردّدت كلمات المرأة العجوز في ذهنه: «اتبع الذئب.»
بخطوات بطيئة ومحسوبة، تبع المخلوق أعمق داخل الأشجار. لم ينظر وراءه، لم يتردد — تحرّك فقط برشاقة ككائن يعرف تمامًا إلى أين يتجه.
جسر الظلال
عند الفجر وصل أندريه إلى جسرٍ خشبي قديم متصدع، معلق فوق وادٍ. التفّ الضباب تحته، كثيف وغير طبيعي.
عندما وضع قدمه على اللوح الأول، ارتفعت همسات من الضباب:
«ارجع.»
«لن تجد ما تبحث عنه.»
«البئر ليس لك.»
تجمّد أندريه. لم تكن الأصوات مجرد أصوات؛ كانت مألوفة. بدا بعضها كصدى أساتذته القدامى في الجامعة، يسخرون من طموحاته. والبعض الآخر كان صوته هو نفسه، ممتلئًا بالشك. قبض على قبضتيه بإحكام.
الخوف اختبار. الحقيقة اختبار. القدر اختبار.
أخذ نفسًا عميقًا، أجبر قدميه على التقدم، ومضى في طريقه. همهمت الأصوات وصفّرت وصرخت، وازداد ضجيجها، لكن في اللحظة التي وطأت فيها قدمه الضفة الأخرى — اختفت. لقد اجتاز الاختبار الثاني.
حارسة البئر
مع منتصف النهار انفتحت الغابة على فسحةٍ لم تمسّها يد الزمن. وفي وسطها، تحت فروع شجرة بلوط عتيقة ملتوية، كان البئر. كان أصغر مما تخيل، مبنيًا من حجر مهترئ، وحوافه مكسوة برموز تتوهّج بخفوت. استلقى كأس فضي بجانبه.
لكنه لم يكن وحده. وقفت امرأة بجانب البئر، متدثّرة برداءٍ أبيض، ووجهها مخفًى تحت غطاء الرأس. ومع ذلك عرف أندريه — لم تكن بشرية.
«لقد قطعت مسافة طويلة»، قالت، صوتها كنسيم يمر بين الأشجار.
ابتلع أندريه ريقه. «هل أنت الحارسة؟»
أومأت.
«البئر لا يحقق الأمنيات. إنه يكشف الحقائق. هل أنت مستعد؟»
تردّد أندريه. كان يظن أنه يبحث عن المعرفة، لكن الآن، واقفًا أمام البئر، لم يعد متأكدًا مما يلتمس حقًا. بعد لحظة، مدّ يده نحو الكأس.
لمحة عن المصير
في اللحظة التي لامست فيها المياه شفتيه، انفجرت الرؤى خلف عينيه. رأى أسلافه: معاركهم، انتصاراتهم، تضحياتهم. رأى مستقبله هو، واقفًا في مكتبة يوجه باحثًا آخر. رأى الذئب، والجسر، والهمسات. ورأى بابا إيلينكا — أصغر بكثير، تشرب من البئر.
حينها أدرك. لقد كانت يومًا ما باحثة مثله. والآن، حان دوره. أسقط الكأس وهو يلهث. راقته المرأة البيضاء بعينين تعرفان.
«أنت تفهم الآن»، همست.
أومأ أندريه. لم يكن مقدَّرًا له فقط أن يعثر على البئر؛ بل أن يحميه.
العودة
عندما خرج من الغابة بعد أيام، شهِق شيوخ القرية. لقد غادر باحثًا، وعاد بشيءٍ آخر. لم يكتب عن البئر قط، ولم يحدد موقعه على خريطة. لكن في السنوات التي تلت ذلك، بدا أن من يبحثون عن الحكمة حقًّا يجدون طريقهم إليه دائمًا. وفي الليالي النادرة، حين يتدفق الضباب كثيفًا على الجبال، حلف بعض القرويين أنهم رأوه واقفًا بجانب البئر، ينتظر المسافر التالي.
الخاتمة: الدورة الأبدية
تستمر أسطورة البئر المسحور في بوكوفينا، تُهمس من جيل إلى جيل. ربما يومًا ما، إذا استمعت جيدًا إلى صوت الريح، ستناديك أيضًا. هل ستستجيب؟
