الشبل المهجور
في قلب الهند، حيث تمتد الأدغال الكثيفة في كلِّ اتجاه، تبدأ قصة طفلٍ صغيرٍ وجد مأواه بين المخلوقات البرية. في ليلةٍ مضيئةٍ بالقمر كسر بكاء رضيعٍ صمت الغابة. مهجورًا ووحيدًا، وُجد الطفل عند حافة الغابة ملفوفًا ببطانيةٍ صغيرة، لا شاهِدَ له إلا النجوم.
سمعت أم ذئاب تُدعى راكشا أثناء دوريتها الليلية مع رفيقها أكيلا صوت البكاء من بعيد. أوقظت غريزة الأمومة فيها، فتتبعت النَشِيج حتى وجدت الطفل العاجز. لمسته بأنفها برفق، ومع ضحكته اجتاحتها رغبةٌ في حمايته. حملته بفكيها بعنايةٍ إلى عرينها. ترددت الذئاب الأخرى في البداية، لكن إصرار راكشا على إبقاء الطفل لم يضعف. أطلقوا عليه اسم موغلي، والذي يعني «الضفدع الصغير» بسبب افتقاره للفراء.
عائلة موغلي الجديدة
نشأ موغلي تحت أعين والديه الذئبين والفهد الحكيم باغيرا، الذي أبى أن يغفل عن تربيته. كان باغيرا يعلم طرق البشر ويفهم أنّه لا بد في يومٍ من الأيام أن يعود موغلي إلى قومه. لكن في تلك الفترة كانت الغابة منزله، ونما فيها قويًا ومرنًا.
أصبح بالو، الدب المرح، أحد أفضل أصدقاء موغلي ومعلّميه. علّمه بالو «أساسيات الحياة»، وعلّمه كيف يستمتع بملذات الغابة البسيطة. تعلّم موغلي تسلّق الأشجار، السباحة في النهر، وفهم لغة الحيوانات. كانت أيامه مليئة بالمغامرات، ونما قويًا ورشيقًا مثل المخلوقات التي اعتبرها عائلته.
في يومٍ بينما كان يلعب قرب ضفة النهر التقى بكا الأفعى. حاول كا أن يُنوِّمه بنظراته الساحرة، لكن حدة غريزته، المصقولة بنشأته بين الذئاب، مكنته من المقاومة. نجا في اللحظة الأخيرة بفضل تدخل باغيرا في الوقت المناسب.
تهديد شير خان
غير أن الغابة لم تخلُ من المخاطر. كان الأكثر رهبةً بينهم شير خان، النمر. حمل شير خان كراهيةً عميقةً للبشر بعدما جُرِح على يد الصيادين في الماضي. اعتبر موغلي رجسًا—طفلًا بشريًا بين الحيوانات—وحلف أن يقتله. انتشرت أنباء تهديد شير خان كالنار في الهشيم، وتضافرت جهود سكان الغابة لحماية الصبي.
انعقدت حلقة الذئاب لتقرير مصير موغلي. رأى بعضهم أن الوقت قد حان ليغادر الغابة وينضم إلى قومه، بينما جادل آخرون، بقيادة أكيلا وراكشا، بأنه ينتمي إليهم. دعما باغيرا وبالو الموقف الأخير، ووعدا بتعليم موغلي قوانين الغابة حتى يستطيع الدفاع عن نفسه ضد شير خان.
الاستعداد للمعركة
تكثفت تدريبات موغلي. علّمه باغيرا فن الاختفاء وقوة الصمت، بينما أراه بالو كيف يستخدم محيطه لصالحه. وضعوا خطة لمواجهة شير خان، عارفين أن تكبُّر النمر قد يكون سبب هزيمته.
في إحدى الأمسيات، بينما غربت الشمس، بدأ موغلي ومعلّموه تنفيذ خطتهم. استدرجوا شير خان إلى وادٍ ضيق محاط بمنحدرات عالية. واجه موغلي النمر مسلّحًا بعصاٍ مشتعلة. لاحت النار في عينيه، ولحظةً تردد شير خان. شاهدت حيوانات الغابة المشهد في صمتٍ، وحُبس أنفاسها في ترقّب.
المواجهة النهائية
اندفع شير خان نحو موغلي، لكن الفتى كان سريعًا. تفادى الهجوم وبرز بالعصا المشتعلة نحو النمر. لسعت النيران فرو شير خان، فزأر من الألم والغضب. كانت النار عدوًا قديما لكل الوحوش، وحضورها أزعج النمر الجبار. استغل موغلي لحظة الارتباك ليوجه شير خان نحو فخٍ نصبوه مسبقًا—حفرة عميقة مموهة بأوراقٍ وفروع.
وبقفزةٍ أخيرة سقط شير خان في الحفرة وهو يزمجر ويتقلب. وقف موغلي على الحافة ينظر إلى النمر المهزوم. كان نصرًا مُرًّا حلوًا، إذ أدرك موغلي أنه رغم انتصاره، ليس مكانه في الغابة إلى الأبد. احتفلت الحيوانات وهتفت في الليل، لكن قلب موغلي كان مثقلاً بإدراك هويته الحقيقية.
وداع الغابة
مع بزوغ الفجر، اتخذ موغلي القرار الصعب بمغادرة الغابة والبحث عن قومه. رافقه باغيرا وبالو إلى حافة الأدغال، وقلوبهما مثقلة بالحزن. راقبت راكشا وأكيلا من بعيد، فخورتان بالصبي الذي ربيّاه لكن عالمتان أن هذا اليوم لا بد أن يأتي.
علّمته الغابة دروسًا كثيرة، وحمل هذه الدروس معه وهو يبتعد. استدار للمرة الأخيرة ليلتقط أنفاسه من الخضرة الوارفة والأشجار الشامخة والأصدقاء الذين صاروا عائلته. لوّح مودعًا، ثم دخل المجهول مستعدًا لمواجهة ما قد يأتي.
عالم موغلي الجديد
قاد طريقه عبر الغابة إلى قرية صغيرة على مشارف الأدغال. كان أهل القرية في البداية يحذرون من الفتى البري، لكنهم أدركوا سريعًا ذكاءه وقوته. تكيف موغلي بسرعة وتعلّم طرق البشر دون أن ينس دروس الغابة. وجد عائلةً جديدة بين أهل القرية، لكن قلبه ظل يحن دومًا لحرية البرية.
كان يزور حافة الغابة كثيرًا ليجتمع بباغيرا وبالو ويتبادلا أحاديث عن حياته الجديدة ويستذكران مغامراتهما. ظل الرابط بينهما قويًا، متجاوزًا حدود الأنواع والعوالم.
عودة شير خان
مرت السنوات ونما موغلي شابًا، فصار حامي القرية مستخدمًا مهاراته الفريدة لحماية أهلها. وفي يومٍ مشؤوم انتشرت شائعات عن رؤية نمر يترصّد قرب القرية. عرف موغلي أن ذلك لا بد أن يكون شير خان عائدًا لطلب الانتقام.
استعد للمواجهة الحتمية، وجمع القرويين ودربهم على طرق الغابة. نصبوا الأفخاخ ووضَعوا استراتيجيات، مستعدين لملاقاة النمر. وعندما ظهر شير خان أخيرًا، واجههم بموّحدة. قاتل القرويون، بقيادة موغلي، بشجاعة، وباتحادهم تمكنوا من طرد النمر وتأمين سلامتهم.
إرث فتى الغابة
أصبحت قصة موغلي أسطورة في القرية، تلهم حكايات عن الشجاعة والرابطة بين الإنسان والطبيعة. تزوج وأنجب أطفالًا، ونقل لهم حكمة الغابة. نشأ أولاده على سماع حكايات بالو وباغيرا والذئاب، وتعلموا هم أيضًا احترام العالم الطبيعي وحمايته.
رغم أنه عاش بين البشر، ظل جزءٌ من موغلي دومًا ينتمي إلى الغابة. كان يعود لزيارة أصدقائه القدامى فتستقبله مخلوقات الغابة بحبٍ وترحاب. كان إرثه مثالًا على الانسجام بين الإنسان والحيوان، وشهادةً على قوة الحب والتقبّل.
دائرة الحياة
في خريف حياته عاد موغلي إلى الغابة للمرة الأخيرة. مشى في الدروب المألوفة واستقبله من شهدوا نموه من الحيوانات. وجد راكشا وقد شاخت، لكنها بقيت الأم الشرسة الحنونة التي يعرفها. وجد باغيرا وبالو أيضًا قد كبُرا في السن، لكن روحيهما ظلّت نابضة بالحياة.
جلس موغلي مع أصدقائه يتبادلون القصص والضحكات. ومع غروب الشمس شعَرْ بالسلام؛ فقد أدرك أن رحلته قد أتمت دورتها. محاطًا بجمال الغابة وحب عائلته الحيوانية، أغمض موغلي عينيه محتضنًا الرابطة الأبدية التي كانت تربطه بالبرية. أم الذئاب راكشا تكتشف الطفل موغلي في الغابة.
وهكذا، ترك الفتى الذي نشأ بين الذئاب، والذي واجه شير خان الجبار، والذي جسر عوالم الإنسان والوحش إرثًا سيبقى حيًا في قلوب كل من عرفوه. همست الغابة باسمه، تذكارًا لطيفًا بالفتى الذي صار أسطورة.
