في قديم الزمان، في ريف اليابان الهادئ والمطمئن، عاش حطاب خيزران عجوز يُدعى تاكيتوري نو أوكينا وزوجته أونا. كان الزوجان بلا أطفال، ويتوقان منذ زمن طويل إلى طفل يملأ قلبيهما فرحًا. كل يوم، كان تاكيتوري نو أوكينا ينطلق إلى غابات الخيزران ليقطعها ويجمعها ليبيعها في السوق. في صباح مشرق وهادئ، وبينما كان يعمل في الغابة، لاحظ ساق خيزران غريبًا يتوهج بنورٍ رقيق ومشع؛ دفعه الفضول ليتفحصه.
عندما اقترب وفتح الساق، وجد بداخله طفلة صغيرة فائقة الجمال لا يزيد حجمها عن إبهامه، محاطة بضوءٍٍ رقيقٍ لامع جعلها تبدو كائنًا من عالم آخر. مفاجَأ ومسرور، حملها بلطف وأعادها إلى زوجته. امتلأت أونا بالبهجة لرؤية الطفلة، وقرّرا تربية الفتاة كابنتهما وأطلقا عليها اسم كاغويا-هيمي، والذي يعني "الأميرة المتوهجة". ومن ذلك اليوم فصاعدًا امتلأت حياتهما بالسعادة والمحبة، وتعجّبا من سرعتها في النمو حتى صارت شابةً جميلة ذات رقة وجمال لا مثيل لهما.
مع نمو كاغويا-هيمي، ازداد سحرها وذكاؤها. لم تكن جميلة فحسب، بل كانت طيبة وحكيمة تفوق سنها. جلبت لوالديها بالتبني فرحًا عظيمًا، وازدهرت الأسرة. وفي كل مرة يذهب فيها تاكيتوري نو أوكينا إلى الغابة لقطع الخيزران، كان يجد قطعًا من الذهب داخل سيقان الخيزران. هذا الحدث العجيب أغنى العائلة، فباتت تعيش برفاهية وتساعد بسخاء المحتاجين.
انتشرت شهرة جمال كاغويا-هيمي في الأرجاء، ووصلت إلى آذان النبلاء والخاطبين من أراضٍ بعيدة. جاء خمسة من أغنى وأقوى الخاطبين طالبين يدها للزواج. كان كل واحد منهم عازمًا على الفوز بقلبها، لكن كاغويا-هيمي، راغبةً في تجنّب الزواج، وضعت لكل خاطب مهمةً بدت مستحيلة، ووعدت بأنها ستتزوجه من أتمها.
الخاطب الأول كان أميرًا قويًا طُلِب منه أن يحضر لها وعاء التسول الحجري للبوذا من الهند. ظنّ أن المهمة ستكون بسيطة بالنسبة لمن في مكانته، فانطلق في رحلته. لكنه سرعان ما أدرك أن المهمة أصعب مما توقع. وبعد شهور من البحث وتحمل المشقات، عاد ومعه وعاء مزور آملًا أن يخدع كاغويا-هيمي. لكنها كشفت خدعته ورفضت عرضه بأدب.
الخاطب الثاني كان وزيرًا ثريًا طُلِب منه أن يستخرج غصنًا من جزيرة هوراي الأسطورية، التي تنمو عليها الجواهر بدل الثمار. أنفق الوزير ثروة في إرسال السفن والرجال للبحث عن الجزيرة، لكنهم عادوا خاليي الوفاض. في يأسه، كلّف صانعًا بصنع غصن مزيف مزين بالجواهر. رأت كاغويا-هيمي، بعينها الثاقبة، التزوير فرفضته أيضًا.
الخاطب الثالث كان محاربًا شجاعًا طُلِب منه أن يقتني الرداء الأسطوري لفأر النار من الصين. سافر عبر أراضٍ غادرة وواجه مخاطر شتى. وبعد عدة سنوات عاد ومعه ما ادعى أنه رداء فأر النار، لكن عندما اختبرته كاغويا-هيمي بوضعه في النار التهمته اللّهب، فثبت أنه ليس أصليًا.
الخاطب الرابع كان نبيلًا معروفًا بمغامراته الجريئة، طُلِب منه أن يجلب جوهرة ملونة من رقبة تنين. غامر بدخول عرين التنين، متحديًا عواصف هوجاء ووحوشًا بحرية. وعلى الرغم من شجاعته، عاد خالي اليدين، عاجزًا عن العثور على التنين المراوغ.
وأخيرًا، الخاطب الخامس كان تاجرًا فطنًا طُلِب منه أن يحضر صدفة كاوْري مولودة من السنونو. بحث في كل مكان، لكن مثل هذه الصدفة لم توجد. فلمّ يتراجع، فحاول خداع كاغويا-هيمي بتقديم صدفة عادية مدّعيًا أنها ولدت من السنونو. لكن كاغويا-هيمي، غير متأثرة بخداعه، رفضته.
خرج كل خاطب، راغبًا في الفوز بيد كاغويا-هيمي، في مهمته الخاصة، لكن كل واحد فشل إما بالعودة بأشياء مزوّرة أو بالاستسلام. ضمنت دهاء كاغويا-هيمي وإصرارها بقاؤها حرة من زواج غير مرغوب فيه، غير أن قصص مغامرات الخاطبين أضافت إلى أسطورتها.
ورغم عزمها على البقاء عزباء، استمر جمال كاغويا-هيمي في جذب الانتباه، حتى بلغ مسامع إمبراطور اليابان، ميكادو. عندما سمع عن جمالها الفريد، قرر زيارتها بنفسه. ولدى وصوله، أسرّه رقتها وسحرها على الفور. هو أيضًا طلب يدها للزواج، لكن كاغويا-هيمي، رغم احترامها، رفضت عرضه. وأوضحت أنها ليست من هذا العالم ولا تستطيع البقاء إلى الأبد.
حزن الإمبراطور بشدة لرفضها لكنه احترم رغبتها. تبادلا الرسائل والقصائد، ونما بينهما رابط عميق أفلاطوني. وجدا العزاء في مراسلاتهما، وكان الإمبراطور كثيرًا ما يرسل الهدايا والرسل للاطمئنان على حالها. ومع ذلك ازداد حزن كاغويا-هيمي، وفي الليالي المقمرة كانت تنظر إلى القمر ودموعها في عينيها، كاشفةً عن حزنٍ سري.
في إحدى الليالي، بينما كان القمر بدراً لامعًا في السماء، كشفت كاغويا-هيمي لوالديها بالتبني أنها ليست من هذه الأرض. لقد أُرسلت من مملكة القمر كعقوبة، ولا بد أنها ستعود قريبًا. توسّل إليها والدُاها المكسوران أن تبقى، لكن مصير كاغويا-هيمي كان محتومًا؛ لم يكن أمامها خيار سوى العودة إلى موطنها السماوي.
سرعان ما انتشر خبر رحيلها المحتوم، وغمر الحزن القرية بأسرها. جاء الإمبراطور بنفسه ليراها للمرة الأخيرة، على أمل أن يغيّر رأيها، لكن كاغويا-هيمي، وبقلب مثقّل، أكدت أن عودتها حتمية. وأعربت عن امتنانها العميق للمحبة والرعاية التي تلقّتها من والديها بالتبني ومن الإمبراطور.
في الليلة المحددة، نزلت حاشية سماوية من القمر، مرتدية أردية متوهجة وراكبة للغيوم. أتوا ليصحبوا كاغويا-هيمي إلى موطنها الحقيقي. ومع اقترابهم ودّعت كاغويا-هيمي والديها الأرضيين والإمبراطور باكيةً. أعطت والديها قارورة من إكسير الخلود، لكنهما في حزنهم رفضا شربها، لا رغبتهما في أن يعيشان إلى الأبد من دونها.
الإمبراطور، متأثرًا بعمق برحيلها، أرسل أكثر محاربيه ثقةً لمرافقتها إلى القمر، مكلفًا إياهم حمايتها أثناء الرحلة. وبينما كانت كاغويا-هيمي ترتفع مع الكائنات السماوية، نظرت إلى الأرض ودموعها تسيل على وجهها. بقيت صورة والديها بالتبني والإمبراطور واقفين معًا في حزن محفورة في قلبها.
عند وصولها إلى القمر، رحّب بها حكام مملكة القمر وعائلتها السماوية. ورغم أنها عادت إلى موطنها، لم تستطع أن تمحو ذكريات حياتها على الأرض. ثقلت على قلبها المحبة واللطف اللذان عاشتهما مع والديها بالتبني والرابطة التي نشأت بينها وبين الإمبراطور.
الإمبراطور أيضًا ظل مفجوعًا بالحزن. أرسل محاربيه إلى أعلى قمة في البلاد حاملين إكسير الخلود ورسالة منه إلى كاغويا-هيمي يعبر فيها عن حبه الخالد وحزنه، وأمرهم أن يحرقوا الإكسير والرسالة على القمة، على أمل أن يصل دخان كلماته وجوهر الإكسير إلى كاغويا-هيمي على القمر.
بينما التهمت النيران الإكسير والرسالة، ارتفعت الأدخنة عالياً في السماء صوب القمر. أصبحت القمة التي جرت فيها هذه الحادثة معروفة باسم جبل فوجي، أي "الخالِد"، وحتى يومنا هذا يواصل الجبل انبعاث بعض الدخان كذكرى لحب الإمبراطور لكاغويا-هيمي ولإكسير الخلود.
كاغويا-هيمي، عائدةً إلى موطنها السماوي، كانت تنظُر إلى الأرض وهي تحنو على ذكريات زمنها بين البشر والمحبة التي ذاقتها هناك. صارت قصتها أسطورة توارثتها الأجيال، تذكر الناس بطبيعة الجمال والحب الزائلين، وبالشوق المؤلم إلى مكان لا يستطيع الإنسان أن يعود إليه حقًا.
حتى بعد عودتها إلى مملكة القمر، كثيرًا ما كانت أفكار كاغويا-هيمي تعود إلى حياتها على الأرض؛ اشتاقت إلى ببساطة أفراح الوجود البشري، إلى دفء محبة والديها، وإلى رفقة الإمبراطور. كانت تجد العزاء في الليالي المقمرة وهي تحدق في الأرض على أمل أن تلحظ لمحة من الأماكن التي كانت تسميها وطنًا.
في مملكة القمر، حظيت كاغويا-هيمي بالاحترام لتجاربها الأرضية. أسرت قصصها عن الحياة البشرية — المليئة بالعواطف والمشقات والبهجات — المخلوقات السماوية، فاستمعوا بانتباه وهي تروي حكايات عن الحب والفقدان وطبيعة السعادة العابرة. ومن خلال هذه الحكايات، جسّرت كاغويا-هيمي الهوة بين العالمين السماوي والبشري، وعلمت سكان مملكة القمر جمال وضعف الحياة البشرية.
ومع مرور السنين، استمرت أسطورة الأميرة كاغويا في إلهام الناس وإسحارهم سواء على الأرض أو في مملكة القمر. كانت قصتها تذكيرًا بالروابط العميقة التي تتجاوز العوالم، وبقوة الحب وبخُلود الذكريات. بقيت حكاية كاغويا-هيمي منارةً للنور والأمل، تضيء قلوب كل من سمعها إلى الأبد.
